عادت مرة أخرى العملية السياسية إلى نفق مظلم آخر من الأزمات ؛ فقد فجرت روايات وزير الدفاع خالد العبيدي عن فساد مسئولين في مجلس النواب و الحكومة ذكرهم بالأسماء أزمة أخرى من العيار الثقيل ، و عاد الجميع يرمي بنفسه على القضاء على انه الفيصل في إثبات النزيه من الفاسد ، و الحق من الباطل ؛ و هي دعوى حق في أن القضاء هي الجهة الفاصلة بين النزيه و مدعي النزاهة ، و بين الفاسد و المتهم ظلما بالفساد ، إلا أن الأمور لا تقدم بهذه البساطة أو المباشرة ، فهي ليست رواية تنسجها مخيلة كاتب ، أو مشاعر يضعها شاعر في كلمات فنية فيصيرها قصيدة شعرية أو مقطوعة أدبية ، لأمر السلطة القضائية حيثيات على الهاربين من كل أزمة إليها أن يدركوها ، و أول هذه الحيثيات : أن الأزمات التي يعيشها العراق و منها الأمن و الفساد و غيرها من أصناف و مستويات الأزمات هي عبارة عن اختلال في البناء و الوظيفة للمؤسسات الرسمية ، فالفساد مثلا الذي هو موضوع أزمتنا المتواصلة ليست مشكلة ديوان الرقابة المالية أو هيئة النزاهة أو مكاتب المفتشين العموميين أو لجنة النزاهة البرلمانية فحسب ، بل هي مشكلة التربية و التعليم و مشكلة الخدمات و الصحة و الاعلام و المؤسسات الثقافية ، فلو أن كل جهة تشكلت و عملت كما ينبغي لها ، ما وصل هذا البلد الى ما وصل إليه ، و بهذا سيتضح لنا لو أن بناء مجلس النواب و الحكومة قام بشكل سليم ، ما دخلنا في كل فترة بأزمة خانقة ، و هنا فلنأتي على موضوعنا الرئيسي ؛ في الأزمة الاخيرة التي تسببت بها جلستي لمجلس النواب في 14 و 26 من نيسان الأخير ، و التي كانت ستودي الى كوارث رهيبة على المستويات كافة ، لولا دور السلطة القضائية و تحديدا المحكمة الاتحادية العليا ، هذه الازمة كان عليها أن تلفت نظر الجميع الى الحقيقة التي نتحدث عنها دائما ، و نكررها مرة أخرى في سياق الأزمتين الأخيرتين ، و لنفترض لو أن المحكمة الاتحادية العليا كانت مشكلة بذات المنهج المحاصصاتي الذي يعتمد في بناء أغلب المؤسسات في السلطتين التشريعية و التنفيذية ، و لو أنها تقوم بوظيفة إنطلاقا من المصلحة الاثنية و الطائفية و الحزبية لكل عضو فيها ، أكانت تشكل الملجأ و الفيصل لحل الازمات و فك النزاعات ، أو أنها ستكون جزء من الازمة ؟
لا أريد لهذا المقال أن يتسع لكل مفردات حيثيات القضاء و الأزمة كي لا يأخذ أكبر من حجمه بحسب قواعد عدد كلمات المقال الصحفي لذلك سنكرس سلسلة المقالات القادمة حول كل ما يرتبط بحيثيات العلاقة بين السلطة القضائية و الازمات السياسية المختلفة .