على الرغم من ادانة الهجوم الارهابي على بروكسل ، واعلان البراءة الدينية والعقلية من مرتكبيه ، والتعاطف مع ضحاياه الاوربيين الذين يشبهون ضحاياه الذين يسقطون في بغداد وبيروت ودمشق وفلسطين وصنعاء وعدن والقاهرة وتونس وباكستان ، الا ان ما حدث في بروكسل قد كشفت حقيقة النفاق العالمي ، فالدماء التي اراقها الارهاب في بركل ليست زرقاء ، هي نفسها الدماء التي يريقها الارهاب نفسه في المدن العربية والاسلامية ، فبالامس ازهق ارهاب طالبان ارواح اكثر من سبعين انسانا وقارب عدد الجرحى الخمسمائة ، وقبلها بقليل كان الارهاب نفسه الذي هاجم بروكسل يستهدف ملعبا في بابل بالعراق ويزهق ارواح اكثر من خمسين انسانا ، واذا ما اردنا سرد الاعتداءات فالقائمة تطول ، بل ان السرد يستحيل او لن يتوقف لان صولات الارهابيين المسلحين باحدث الاسلحة الغربية لن تتوقف.كما انها ، اي اعتداءات بروكسل ، قد كشفت الرغبة الامريكية في استفحال الارهاب على صعيد اوربا ، التي باتت مذعورة تنتظر اليد الامريكية التي لن تمتد اليها لانتشالها من ذعرها الا بثمن اقله ، تماهي الخطاب الاوربي مع الخطاب الامريكي ، والاعراض عن كل نزعات الهوية الخاصة التي نمت في بيئات فرنسية او المانية ،والانكى من هذا كله ان ما حدث في بروكسل ، قد يكون الاعلان عن بداية لعهد اوربي جديد ، يتشكل على وفق ما يريد الارهاب واليمين المتطرف ، فقد بات في حكم المؤكد لدى المعنيين في هذا الشأن ، من مسؤولين وباحثين ، ان الارهاب واليمين المتطرف وجهان لعملة واحدة ، فعلى الرغم من ان اليمين المتطرف البلجيكي ، الذي يمتاز بحساسية لغوية واقتصادية ، لم يرفع شعارات عنصرية بشكل فاضح كما هو حال اليمين المتطرف الفرنسي ، وانه ينمو في المناطق الفلمنكية التي يتكلم سكانها اللغة الفلامونية ، وهي الهولندية او احدى لهجاتها ، ويعرف عن مناصريه حساسيتهم البالغة من اللغة الفرنسية ، فهو يسعى الى زيادة مساحة اقليمه على حساب الاقليم الوالوني ، الذي يتكلم سكانه اللغة الفرنسية ، علاوة على انه يطالب بمردود على ما يتميز به من تقدم وتنظيم مدني وحركة ادارية محلية تفوق الاقليم الوالوني ، الا انه وبعد هجمات الارهاب على بروكسل ، لم تعد نزعته مقصورة على الفلامون ، وانما اصبحت نزعة بلجيكيا عامة يرفع شعاراتها الوالون والفلامون على حد سواء ، فلم يقف اليمين المتطرف البلجيكي اليوم ، بعد الاعتداءات ، عند حدود شعاراته التاريخية ، انما هو اليوم يعلن العداء للمسلمين ، ويتظاهر انصاره علنا ضد ضدهم ، وان كانت الحكومة البلجيكية التي يقودها يمين الوسط ، ويمثل الاشتراكيون معارضة قوية لها في البرلمان ، تحول بينه وبين ما يريد ، حيث انها الى هذه اللحظة يبدو قادرة على كبح جماحه ، وتفريق تظاهراته بالاساليب الاوربية المعتادة مثل خراطيم المياه وشرطة مكافحة الشغب ، لكن لا احد يعلم اذا ما كان الامر سيبقى على ما هو عليه ام سيتطور بحيث لم تنفع معه تلك الاساليب ، او تصبح الحكومة عاجزة عن لجم حركة المتطرفين يبدو لى ان هدف داعش الذي يسعى جاهدا لتحقيقه في اوربا عموما وبلجيكا بشكل خاص ، هو اطلاق العنان لليمين المتطرف ، وتقديم كل الذرائع التي يحتاجها في ادامة حراكه السياسي والجماهيري ، والاستفادة القصوى من الصدمة ، وهول ما حدث في المطار ومترو الانفاق ، وهو حراك عنصري يستهدف العرب والمسلمين ، وسيقابل من دون شك بردة فعل من ضحاياه ، قد تتخذ منحى مواجهة العنف بالعنف ، فقد سبق وان حدث هذا عندما هاجمت جماعات عنصرية من حليقي الرؤوس احياء يكثر فيها العرب والمسلمين ، فكانت معارك كر وفر تصدت لها الشرطة البلجيكية فاوقفتها ، وان خطر هذا العنف محدود مهما تعاظم ، الا ان الخطر الاكبر يتمثل في ان تتخذ ردة الفعل منحى الانخراط في تنظيمات متطرفة ، وهذا ما تسعى اليه داعش وغيرها من التنظيمات الارهابية بشكل مباشر ، وبشكل غير مباشر يسعى اليه اليمين المتطرف البلجيكي ايضا فاي شر مستطير يمكن ان يترتب على اتفاق الارهاب واليمين المتطرف على هدف واحد ، فالارهاب يقدم لليمين المتطرف خدمة ما كان ليحلم بها عندما يعبئ البلجيكين من الوالون والفلامون للوقوف وراءه والتصويت على برنامجه ومرشحيه ، وتحقيق امله في فوز سياسي لن يصل اليه باية حملة انتخابية ، وبالمقابل فان اليمين المتطرف يقدم خدمة كبيرة للارهاب عندما يسد المنافذ على الشبان المسلمين والعرب ويحاصرهم بشعاراته وبرامجه العنصرية ، ما يدفع بهم بقوة الى اخضان التنظيمات المتطرفة ، عندها تصبح مستحيلا ان نعرف من ينتج من ؟ اليمين المتطرف ينتج الارهاب ام الارهاب ينتج اليمين المتطرف؟ بدون شك ان ما حدث في المطار البلجيكي ومترو الانفاق هو جريمة شرعا وعقلا ، يرفضها كل المسلمين ، بل ان عددا كبيرا من الضحايا كانوا مسلمين ، فالمترو واسطة نقل يستقلها كل الناس ، حتى ان وزيرة التربية البلجيكية في حديث لها على محطات التلفزيون ذكرت ان احد ضحايا الارهاب في مترو الانفاق هو مدرسة الرياضة لبنى الشابة العربية المسلمة التي كانت تستقل المترو في طريقها الى المدرسة ، وان العرب والمسلمين قد ابنوا الضحايا وبكوا عليهم واشعلوا الشموع ، وامارة على تضامنهم ، رفعوا اعلامهم الى جانب العلم البلجيكي ، واعلام الدول التي وقفت شعوبها مع البلجيكين ، الا ان اليمين المتطرف يشعر انها فرصته التاريخية ، مستغلا شعور الناس بالام والسخط ، في قيادة البلجكيين من الوالون والفلامون ، ويترجم هذا الشعور ممارسة عنصرية قد تطال المسلمين في اماكن عامة او دوائر حكومية او وسائط نقل ، وفي المقابل هي فرصة الارهاب التاريخية في قيادة ضحايا العنصرية في طريق الاعداد لتنفيذ اعتداءات جديدة ، فعلى وفق هذه الجدلية ، جدلية الارهاب واليمين المتطرف ، ستعيش اوربا كابوسا طويلا ، اكثر ضحاياه العرب ، فهم هدف الارهاب الذي لا تميز احزمته النازفة بين عربي وغير عربي ، وهدف اليمين المتطرف الذي لا يستهدف الا العربي