من موروثاتنا الاجتماعية التي نركن اليها في حياتنا اليومية مثل نردده دوما نحن العراقيين، لوصف شخص يتلذذ بإلحاق الضرر والأذى بذويه.. يقول المثل: (البزون تكيِّف بعمى أهلها) وهو مانراه بين الفينة والأخرى، يتجسد في أفعال وردود أفعال أرباب الحكم وأصحاب القرار في مراكز صنعه وتشريعه وإقراره وإصداره. إذ بات طبيعيا للمرة الألف بعد المليون.. أن يعادي أقطاب الحكم في الدولة العراقية أنفسهم بأنفسهم، وينصبون الشراك لبعضهم البعض وهم يتربعون على كراسي الحكم والجاه في مجالسها الثلاث، فضلا عن الذين يشغلون مناصب أخرى في مفاصلها ومؤسساتها المتضاربة الأطناب، فيثيرون الغبار على الخطوات التي يرسمها رئيس الوزراء او وزير او مسؤول او قائد ميداني على الأصعدة كافة، بغية الإعاقة وتأخير المسيرة لاغير.
منها خطوة الهجوم العسكري على الفلوجة، والتشعبات التي تفرعت واستطالت وعرضت بعد التداعيات التي وصلت اليها. إذ مااتفقوا على رأي إلا اختلفوا على عشرة آراء أخرى، وفي حقيقة الأمر فإن الهجوم العسكري على الفلوجة كان من المفترض القيام به باكرا، قبل ثلاث سنين، في بداية إرهاصات تكوين عناصر تلك العصابات في محافظة الأنبار، وكلنا يذكر التظاهرات والاعتصامات التي كانت تطالب ظاهرا بحقوق المواطنين المشروعة، فيما كانت تحاك خلفها مؤامرة تنشئة الوليد الخديج (داعش) وطبعا برعاية بعض الشيوخ وأبطال المنصات ومتسلقي المنابر من غير الشرفاء، وكيف لايرعونه..! وهو وليدهم الذي يعولون عليه في إحداث الشرخ في بنية الدولة العراقية، ليتسنى لهم فيما بعد تقسيمها وتقطيعها كما رُسمت لهم على مقياس الرسم لخارطة سايكس- بيكو.
والكلام اليوم ليس ينفع شيئا ولايجدي نفعا، فالحل الفصل للفعل لاللقول، ومع انحسار تواجد داعش على الأراضي العراقية، نسمع بين الحين والآخر دعوات يطلقها البعض ويرتئي اتباعها كحل من الحلول، فيما يرى البعض الآخر فيها تعقيدا وتكريسا لدور داعش وخلاياه النائمة في محافظات البلد. وكل من هؤلاء يكيل بمكيالين او ثلاثة او عشرة، حسب ماتقتضي مصلحته ومآربه. لكن..! كما يقال: أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي. ولو أردنا وضع نسبة نقيس من خلالها مسببات تأخير البلد، واحتسبنا أي عمل يؤخر سيره باتجاهه الصحيح عملا إرهابيا، لشملت تلك النسبة كل من له باع في تأخير قراءة مشروع قانون اوإقراره اومناقشته، وشملت أيضا كل من استغل منصبه في تحقيق مأرب شخصي او نفع مادي، على حساب المال العام. كذلك يقع تحت طائلة الإرهاب كل من تهاون او أغمض عينه عن حالة سلبية في مؤسسة من مؤسسات البلد، أو فساد في وزارة من الوزارات.
ومع أن سلبيات ليست قليلة سجلت على سياسات الحكومات في السنوات الماضية، أدت الى توغل وحوش داعش في الأراضي العراقية، إلا أن الحملات العسكرية المشتركة بين قوات الجيش والحشد الشعبي، للقضاء على مراتع الجماعات المسلحة ومرابع تكاثرهم والحواضن التي تحتويهم، بامكانها تصحيح الأخطاء الماضية، وسيكون لها الأثر البليغ على وضع البلاد الأمني المتردي بسبب الخلافات بين السياسيين أنفسهم، ومناحراتهم في تفضيل مصالحهم الخاصة والفئوية والحزبية، وحتما سيكون لاستقرار البلد أمنيا مردود إيجابي، الأمر الذي سيفسح المجال لمن أراد تصحيح سلبياته في لحظة حساب مع نفسه، وتجييرها من جديد كإيجابيات لحساب الصالح العام بغية إسعاف البلد، قبل ان يجهز عليه غول آخر غير داعش، يترصد إخفاقات ساستنا -وهي كثيرة- ويلتهمه عاجلا وآجلا جملة وتفصيلا، يوم لاينفع عذل ولالوم.
[email protected]