تناقلات وسائل الاعلام العربية والعالمية قبل اسابيع انباء استعداد السعودية للمشاركة بقوات برية ضمن المسعى الدولي للقضاء على داعش في مبادرة سعودية لمواجهة موجة النقد الدولية العنيفة التي تتهمها بانها الراعي الاول للارهاب في العالم وبانها تغذيه معنويا من خلال خطباء الجهاد وشيوخ الفضائيات, وبالاموال من خلال تمويل الارهاب بدولارات البترول, ولوجستيا وعسكريا من خلال الامداد بالاسلحة والارهابيين والانتحاريين.. ولم يعد اتهام السعودية ونقدها في وسائل الاعلام الاوربية يحدث على استحياء هنا وهناك كما كان قبل سنوات حيث كانت الظروف العالمية اقتصاديا وسياسيا غير مؤاتية لنقد حكم العائلة السعودية وذلك بسبب ارتفاع اسعار النفط انذاك وبسبب بقاء اثار الارهاب ضمن المنطقة العربية والشرق الاوسط تحديدا اضافة الى المسعى الغربي لاظهار الوجه الوحشي للاسلاموية السياسية.
اليوم وبعد ان وصل سعر البرميل الى 30 دولار وبعد ان وصلت جحافل الجياع الى اوروبا ضمن اكبر موجة هجرة شعوب في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية وبعد ان اوصلت داعش رسائل الرعب الى العالم من خلال قطع الرؤوس ورفعها على اسنة الرماح كما فعل يزيد بن معاوية مع الحسين وبعد ان تجاوزت داعش كل الخطوط الحمراء تحت تاثير سكرة النصر المصطنع في الرقة والموصل فاخذت بارسال وحوشها الى اوروبا لتهديد الامن ونشر الكراهية..اقول بعد كل هذه المتغيرات فقد بدأ الساسة في اوروبا لاول مرة بدراسة اسباب الارهاب وليس محاربة النتائج.
لقد ايقن الاوروبيون ان محاربة الارهاب عسكرياً وامنيا هي محاولة فاشلة بقدر محاولتهم استرضاء السعودية وعدم نقدها في العقود السابقة للمحافظة على شعرة معاوية معها حفاظا على مصالحهم في حفظ مصادر طاقة امنة وتوريد السلاح بالمليارات الى بؤرة التورترات في العالم.
لقد اصبح جليا ان محاربة الارهاب لايتم بقطع الرؤوس فقط بل بقلع الجذور, فلم يؤدي قتل بن لادن وتحجيم الظواهري الا الى ظهور البغدادي الاكثر دموية ربما من هتلر وصدام حسين.. وعليه فعند تتبع جذور الارهاب لن نصل الا الى جذر واحد وهو الفكر السلفي الذي يرمي العالم كله بالشرك والكفر ولا يزكي الا نفسه واتباعه, فباجتزاء اية من موقعها وظروفها التاريخية والموضوعية يمكن لاي سلفي بسهولة اقناع الاف الشباب للانخراط فيما يسمى بالجهاد المسلح تنفيذاً لمقطع من الاية الكريمة: (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم) فيتم استقطاع اربعة كلمات من الاية ” فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم” تاركين بقية الاية التي تدل بشكل واضح على انها نزلت ضمن ظروف تاريخية محددة وبشروطها عند تعرض المسلمين لهجوم يهدد وجودهم. على اية حال لسنا في معرض شرح معنى الاية لكن القصد من هذا ان الاوروبيين توصلوا الى ان للارهاب جذر واحد يمتد الى السعودية متمثلاً بالفكر الوهابي السلفي التكفيري الذي يريد العودة بالناس الى عصور ما قبل التاريخ.
ان اقتلاع جذور الارهاب يعني بالضرورة اقتلاع حكم ال سعود والقضاء على الفكر التضليلي الوحشي الذي يسمح لمؤديه بقطع رؤوس الابرياء وسبي النساء وامتهان الاطفال والعودة الى نظام بني امية في العبودية وحكم الاسياد, وهذا ما ايقنه الحكم السعودي الذي كان يظن انه في منأى عن موجة التغيير السياسي في المنطقة ضمن موجة “الربيع العربي” وان الملك سلمان قادر على الامساك بزمام الامور من خلال قرارات عفو هنا وهناك او تقديم رشى للشعب عن طريق اسقاط ديون بعض الفقراء او تشغيل الشباب ضمن منظومة بطالة مقنعة متناسين تاثيرات العوامل الخارجية والدولية في استقرار الحكم السعودي في العقود الماضية.
لقد وقع السعوديون في اخطاء قاتلة كما هي سنة الطغاة في تاريخ البشرية وكذلك تراكمت ظروف سياسية دولية وعوامل اقتصادية عالمية وفرت قاعدة اساسية مهدت للتفكير الجدي في التخلص من حكم ال سعود. فالملك سلمان بدأ عهده باعلان الحرب ضد اليمن ومعاداة ايران واعلان الحرب ضد مؤسسات النفط العالمية والاميركية بشكل خاص اضافة الى معادة قوة عظمى مثل روسيا التي تعاني من الارهاب السلفي في الشيشان وغيرها, وكذلك تشكيل التحالف الاسلامي العسكري الموجه اساسا ضد ايران والعراق وسوريا وما يسمى بحركة التشيع في العالم العربي, وقد دفع جنون العظمة لوزير الدفاع السعودي الذي تخرج توا من “رياض الأطفال” بان يعتقد انه قادر على حل ازمة اليمن من خلال القصف بالطائرات لاسابيع ليخرج منتصرا ترفعه الاكف على الرؤس ناسيا ان قوة عظمى كالولايات المتحدة وروسيا تقصف داعش منذ سنتين لم تستطع ان تقضي عليه, وهكذا توغلت السعودية في الوحل العسكري في اليمن والذي تجنبته لعقود واكتفت حينها بمد كل حرب في المنطقة بالمال والسلاح على ان تبقى هي امنة.
من خلال ملاحظة كل العوامل التي ذكرت اعلاه ايقنت السعودية انها في اخر عهد حكمها العائلي الارسطقراطي وانها غارقة في وحل غبائها السياسي والعسكري فظنت انها قادرة على ان تلعب اخر اوراقها بغباء مكشوف, فبعد ان اصبح جليا انه لم يبقى لديها اية قوة اقتصادية او سياسية او عسكرية ترعب الاوروبيين من فكرة المساس بنظام حكمها شعرت بالخطر الداهم ان تم القضاء على داعش, هذا التنظيم الارهابي الذي يعتبر بالنسبة للسعودية القوة العسكرية الوحيدة الفاعلة في نظرها امام المد الشيعي في المنطقة وبسكوت دولي, حيث ان الاسرة الدولية وُضعت بين خيارين اما السعودية والارهاب والنفط واما ايران والشيعة وروسيا ولم يكن الخيار صعبا مع هبوط اسعار النفط وضرب الارهاب في قلب اوروبا وتمادي ال سعود في استهتارهم بكل القيم الدولية من خلال الاعدامات الجماعية, في المقابل قدمت ايران الوليفقيهية للاروربيين نموذجا يمكن التعايش معه واملت كل شروط رفع الحصار عنها وتم الاعتراف بها كقوة فاعلة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وقطاع غزة والمنطقة عموما وجلست على طاولة المفاوضات فيما تصك السعودية اسنانها الى حد النزيف وهي ترى انحسار نفوذها الدولي لصالح عمامة الولي الفقيه.
ان الفكرة السعودية الاساسية التي دفعتها الى الاعلان عن الاستعداد للمشاركة بقوات برية في الحرب ضد داعش تكمن في توفير غطاء عسكري تمهد من خلاله لقادة داعش للانسحاب من ساحة المواجهة اذا حمي الوطيس وحلت ساعة الهزيمة لتنقذهم من الدمار المحتم. ومن السذاجة بمكان ان نتصور ان يقوم جندي سعودي وهابي سلفي ملتحي ضمن القوات السعودية جنبا الى جنب مع جندي ايراني واخر اميركي وثالث روسي بمواجهة داعشي وهو اخيه في الدين واللغة والعقيدة السلفية؟ وكل ما سيحدث انه عندما يُحاصر الداعشيون فسيقدم الجنود السعوديون لهم المأوى وسيجهزونهم بملابس عسكرية سعودية وينضمون ضمن قواتها لينسحبوا معهم امنين عندما تنتهي المواجهة واعلان سحق داعش.
ان خطة كهذه تضمن للسعوديين قوة مسلحة ضاربة مليئة بالحقد ضد كل مخالف لهم وفي نفس الوقت تكون قد احرجت الجهاديين الذين اعلنوا تكفير الحكم السعودي, وبهذا سيكون القادة الداعشيون مكبلون بقيود عرفان جميل انقاذهم من جحيم سوريا وستستخدمهم السعودية كما تستخدم ايران حزب الله.. بحيث انها سترسلهم للعبث بامن اية دولة في العالم في حالة رغبتها في ممارسة ضغط سياسي من نوع ما على تلك الدولة لتقدم نفسها كمفتاح للحل والمساعدة في حل عقدة لارهاب في تلك الدولة وهو ما قامت به ايران بنجاح في العقدين الماضيين وحصدت ثمارها برفع الحصار عنها.
ان على المجتمع الدولي ان يعلم ان الارهاب الذي يضرب العالم لن يهدأ مادام هناك في السعودية خطباء وائمة مساجد وشيوخ فضائيات يحرضون ليل نهار على قتل المخالفين لهم من المسلمين الشيعة والسنة ومن النصارى والعلويين واتباع بقية الديانات والله تعالى يقول ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” (الكهف29) والحساب عنده يوم الحساب وليس بيد خطباء الفتن وقاطعي الرؤوس الدواعش.
نعم لن يهدأ العالم وهناك شيوخ قادمون من خلف التاريخ يتحكمون بمصادر طاقة هائلة وبمئات المليارات من الدولارت يدعمهم فكر وهابي سلفي لا يؤمن الا بالقتل وسفك الدماء ولا ينتج الا الانتحاريين والمهوسين بالجنس الى حد قتل انفسهم للظفر بحور العين في جنة موعودة لهم لا وجود لها الا في مخيلتهم المريضة.. فالجنة التي أعدها الله للمتقين لا مكان للمجرمين الدواعش فيها.
[email protected]