26 نوفمبر، 2024 8:45 م
Search
Close this search box.

أم حسين لا تعرف معنى التكنوقراط

أم حسين لا تعرف معنى التكنوقراط

أم حسين امرأة فقيرة مغلوبة على أمرها كملايين الفقراء من العراقيين الذين عاشوا على هامش التغيير ، في عراق ما بعد الصنم ، هي جزء صغير من طابور الحالمين ، المراوحين في أماكنهم منذ أن تنفسوا هواء هذه الأرض ، في بيوت الصفيح خلف السدة ، هذا الشاخص الأزلي للفقر والحرمان ، تقبع هي وبنت صغيرة وابن معاق ، بصحبة أربعة أخوات قاصرات ، فقدت إحداهن بصعقة كهربائية ، لمضخة ماء عاطلة ، تساعدهم في سحب الماء الشبه منقطع على حيهم الفقير .
 في بيت تم بنائه  من الطين والصفيح ، بلا سقف ، نعم  هكذا يعيش فقراء العراق في زمن الميزانيات الانفجارية ، وعصر المناضلين ، بيت من الصفيح بلا سقف غير أغطية النايلون التي تصدق بها البعض عليها لتكون سقف لها ولأسرتها البائسة تحميها من أمطار الشتاء .
منذ عشر سنوات تعمل أم حسين عاملة خدمة باجر يومي في إحدى وزاراتنا السيادية الغنية ، التي تناوب على إدارتها ثلاث وزراء ، عينوا المئات من أقربائهم ومعارفهم ومنتسبي أحزابهم ومتملقيهم ، ومئات أخرى من النساء الجميلات ، إلا إن أم حسين بقيت لهذه اللحظة عاملة باجر يومي ،فقد رفض الجميع تعيينها على الملاك الدائم ، لأنها لا تنتمي لحزب ، ولم يكن احد أقاربها عضوا بكتلة ، أو سمسارا لأحدهم.
أم حسين وبعد رحلتها الشاقة في متاهات الفاقة والعوز والحرمان هي ترفض الإصلاحات المقترحة ، وترفض حكومة التكنوقراط ، لأنها ببساطة لا تعرف معنى الإصلاح السياسي  ولا التكنوقراط ، لكنها نعرف جيدا ، إنها  من جيل سرقت أحلامه وحقوقه في وضح النهار ، على امتداد الأربعين سنة الماضية ، من قبل القوميين والبعثيين والإسلاميين وتجار الحروب والأزمات ، هي تعرف إنها ولدت في بلد غني ، يزخر بالخيرات والثروات  ، إلا أن غياب العدالة الإنسانية هي من أوصلتها إلى ما هي عليه من فاقة وعوز .
لم يكن عبد الكريم قاسم تكنوقراط ،حين استبدل بيوت الصفيح التي كان يسكنها فقراء العراق في الميزرة والشاكرية والوشاش ، ببيوت من الطابوق ، وأمم النفط بقانون 80 ، وانتشل الفلاح من سطوة وظلم الإقطاع بقانون رقم 30 .
العراق ليس بحاجة اليوم إلى ذوي اختصاص لإدارته ، بقدر احتياجه إلى قادة يمتلكون ولو الحد الأدنى من الوطنية والانتماء وعفة اليد ، جميع الحكومات التي توالت بعد 2003 كانت تعج بالاختصاصات والشهادات العليا ، بغض النظر عن مدى صحتها ، إلا إن سبب خراب العراق وهذا الكم الهائل من السوء الذي نعيشه الآن هو ، إن معظمهم يفتقرون إلى عاملي الانتماء وعفة اليد ، يفتقدون إلى ابسط القيم والمفاهيم الإنسانية ، التي تتحكم بحراك الفرد في أي مجتمع أنساني، عبد الكريم قاسم وهوغو شافيز ومهاتير محمد هؤلاء القادة الوطنيون الذين تسلحوا بحبهم وانتمائهم لأوطانهم وشعوبهم ،كل ما قدموه لهما ، لم يكن نتاج خبرات فنية وإدارية امتلكوها مكنتهم من ذلك ، بقدر امتلاكهم قدر كبير من النزاهة والشعور بالمسؤولية  .
ام حسين وفقراء العراق ، بحاجة الآن إلى مثل هؤلاء القادة المخلصين ، لا إلى حكومة التكنوقراط .

أحدث المقالات