بدأت الاشياء تصغر, في وقت اللاشمس, إلاذبالة من الضوء المرمي خلف منزل مسور بطوف من الطين, الشعور السائد لدى ساكنيه هو القناعة, النساء عانين الكثير, فقد مرت تجارب مريرة خلفتها الحرب الرهيبة, وذكريات حزينة ومؤلمة, وكن يمارسن حياتهن اليومية, وهن منهمكات في رعاية ازواجهن وأطفالهن, ولاتكاد تصدق ان هذه الاجساد الغضة والودودة والتي خلقت لتحتفل بالحياة تواجه هذه المآسي والكوابيس.
منذ ان انتقلن من بيوت آبائهن, لم يحدثن ضجيج في منزل الزوجية, بقي يخيم عليه سكون خلاب, كانت حياتهن بهدوء النملة وصمتها, واذا حدثتك احداهن شعرت بنبرة الحزن الخافته, المتراكم شيئا فشيئا منذ عقود, المكتوم في جسد امهاتهن فتوارثنه, الكبرى منهن كانت الاولى على دفعتها في معهد المعلمات ولكنها ومنذ تخرجها قبل سبع سنوات لم تحصل على فرصة عمل في مدارس العراق, اما الصغرى فتخرجت من اعدادية التجارة ولم تحاول ولو لمرة واحدة للتقديم للعمل في دوائر الدولة الرسمية, بعد زواجها من محمد الاخ الاصغر لياس, انجبت منه بنت اسمها زهراء, كانت تحدثه في امسياتها على الهاتف بعفوية وبكل مايخطر ببالها عندما انتقل مع اخيه الى العاصمة, ليس للبحث عن فرصتهما في حياة المدينة الباذخة, او الاستمتاع بملذات الدنيا, كانا يسعيان فقط لتوفير لقمة العيش الذي ضاقت سبله في مدينة سكناهم.
وفي اليوم الثاني وقبل اطلالة الشمس, وعندما كانا يستقلان السيارة التي تنقلهم الى مكان العمل, حتى ادى انفجار الحقد الشيطاني الى تناثر اشلائهم في الشارع, بعد ان حصد ارواح اثني عشر عاملا, وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تبنى وحش الظلام العملية.
[email protected]