23 نوفمبر، 2024 2:47 ص
Search
Close this search box.

لمناسبة الذكرى/13 لغزو العراق

لمناسبة الذكرى/13 لغزو العراق

الحرب الجوية عند غزو العراق (2003)في هذه الأيام نستذكر بألم بعضاّ من وقائع الحرب الأمريكية-البريطانية التي شُنّت على العراق لثلاثة أسابيع (20/3-9/4/2003) والأسباب الكامنة وراء ذلك النصر العسكري السريع وغير المُستغرب، بعد أن تكشّفت أمورها وتوضّحت أحداثها من خلال معايشتنا الميدانية لتفاصيلها المُؤلمة على شخوصنا ووطننا الحبيب في تلك الأيام العصيبة، مستندين على ما توفر لدينا من خبرة عسكرية مُسبقة ويوميات سجّلناها في ساعاتها الساخنة والتحليلات الإستراتيجية التي خضناها أو تلك التي توصّلنا إليها وسط أكثر من محفل والعديد من المؤتمرات والندوات والمحاضرات والمقابلات على القنوات الفضائية، فكانت “العمليات الجوية” على رأس قائمة تلكم الأسباب.
فـ”الحرب الجوية”-إن صحّ التعبير- لم تكن متكافئة بالمرة بين الغزاة التي كانوا قد صمّموا طيرانهم لمجابهة الإتحاد السوفييتي وقوات منظمة حلف”وارشو” في أوجّ عظمتهما وبين العراق الذي هرّأ حصار (13) سنة متواصلة من أوصال قواته المسلّحة التي لم تكن حتى في أوجّ عظمتها مصمّمة سوى لخوض حرب إقليمية ليس إلاّ.. فالعمليات الجوية هي التي قصمت ظهر القوات العراقية المدافعة عن وطنها ومهّدت للتوغّل السريع للقوات المتحالفة وصولاً إلى إحتلال الهدف الإستراتيجي الأهم “بغداد”.
وأمام القارئ الكريم نستعرض تلخيصاً للمجريات:-
1. قبل إندلاع الحرب بأشهر عديدة، كانت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية قد إتّخذت -بعد مناقشات مسهبة- قراراً بعدم زجّ الطيران العراقي في أتون هذه الحرب بشكل مطلق، فأصدرت أوامرها بإخلاء جميع القواعد الجوية بالمنطقة الوسطى من البلاد والتي لم تكن مشمولة بحظر الطيران الذي فرضه المتحالفون فور إنتهاء حرب الخليج الثانية/حرب الكويت (1991) على بقاع العراق الشمالية والجنوبية بين خطي العرض (33-36)، وضرورة إخفاء الطائرات بأنواعها كافة بين الأحراش والأدغال والبساتين، بل وحتى تحت الرمال ومن دون إستثناء، إذْ رأت القيادة أن الطيران العراقي الذي لم يعد يمتلك خلال عام (2002) سوى (150) طائرة باتت قديمة نسبياً وغير مقتدرة على مجابهة ما لدى المتحالفين من أفضل ما متاح في كل العالم من طائرات.
2. كان ذلك الإجراء إيذاناً مُسبقاً لطائرات التحالف المقتدرة كي تتمتّع بالإستفراد في سماء العراق وأرضه ومياهه وجيشه المنتشر للدفاع عن عموم بقاعه من دون أن يكون هناك ادنى إحتمال أن تواجهها أخطار مؤثّرة، وأن “السيادة
الجوية المطلقة” قد قُدّمت بين يديها على طبق من ذهب وأمست تحصيل حاصل في جميع اجواء العراق.
3. بعد ذلك القرار الإضطراري وجدت المقاومات الأرضية العراقية المضادّة للجو نفسها يتيمة في مواجهة الطيران الحليف المعروف بقدراته، تلك المقاومات التي لم تكن على مقدرة -وفقاً لتصاميمها من حيث الأساس- على إيصال مقذوفاتها وإطلاقاتها إلى طائرات الخصم التي كانت تحلّق خارج مديات الأسلحة العراقية المتاحة مُتحذّرة من أسوأ الإحتمالات.
4. كان الطيران الأمريكي على وجه الخصوص من المقاتلات/هجوم أرضي (FIGHTER – GROUND ATTACK) المُحمّلة بقنابل ذكية (SMART BOMBS) تبلغ مدياتها بضع عشرات من الكيلومترات، والقاصفات ( BOMBERS) المزوّدة بمقذوفات “كروز” التي تبلغ أهدافها بدقة متناهية وعلى بُعد يبلغ (800-1800) كيلومتر، ولا تخطأ في إصابتها إلاّ بنسبة لا تتجاوز (1%).
5. لم تمرّ العمليات الجوية في هذه ىالحرب بمراحلها المعروفة والمُسطّرة وسط المحاضرات والكتب العسكرية ذات الإختصاص المتأتّي من تضحيات الأرواح والأجساد وخبرات الدمّ والرؤى ضمن تأريخ حروب القرن العشرين، والتي يفترض أن تتسلسل بدءاً من مرحلة الحصول على الفائقية الجوية أو السيادة الجوية المطلقة، لكونهما قد تحقّقتا عملياً وميدانياً إثر القرار الذي آنفنا ذكره… ولذلك تداخل مسار العمليات الجوية بين قصف مقذوفاتي (صاروخي) على مجمّعات القصور الرئاسية ومباني القيادات العليا والقواعد الجوية وقواطع الدفاع الجوي أينما وُجدت في أرض العراق فور بدء الحرب، مصحوباً بقصفات جوية نفّذتها طائرات متنوعة الأغراض والطُرُز والأنواع -يطول ذكرها- أقلعت من قواعد أرضية لدى دول الخليج العربي وسواها، ومن على متن (5) حاملات طائرات تمركزت في مياه الخليج والبحرين الأحمر والأبيض المتوسط تُطلق قنابل مُحمولة على أشعة “ليزر” على مدار الساعة إبتغاء قنص مواقع محدّدة تتوسط تلك الأهداف الكبيرة… وقد رافقها (قصف جوي ثقيل للغاية) على قيادات الجيش العراقي عموماً ومقرات الحرس الجمهوري وتشكيلاته الكبرى على وجه الخصوص بإستثمار قاصفات عملاقة من الطرز (B-1, B-2, B-52) أقلعت من قواعد في “بريطانيا” وجزيرة “دييغو غارسيا” البريطانية وسط المحيط الهندي.
6. كان دور القاصفات الأمريكية العملاقة في القصف الجويّ بقنابل شديدة الإنفجار، بدءاً من ذوات الوزن الخفيف (100) كغم والتي تنهمر بالمئات على مواضع دفاعية تخندقت فيها القطعات المدرعة والمشاة والمدفعية وأسلحة مقاومة الطائرات التي أمست حائرة في أمرها، ووصولاً إلى قنابل ذات أوزان بلغت في بعضها (9) أطنان صمّمت خصّيصاً وجُرّبت للمرة الأولى على رؤوس العراقيين في هذه الحرب الضروس، وأُلقيت على مواضع وحدات الحرس الجمهوري المحيطة ببغداد، وخصوصاً تلك التي
كانت مُتهيّئة -ضمن الخطة الدفاعية العامة- للقيام (المُفترض) بهجمات مقابلة على القوات المتحالفة المُتعرضة.
7. وأتى الدور على الإسناد الجوي القريب من إرتفاعات منخفضة بإستثمار طائرات الهجوم الأرضي المتنوعة ومقاتلة الدروع والهليكوبترات المصممة لدعم القطعات الأرضية في عملياتها التعرضية، أو لتسهيل المهمّات المُكلّفة بها وحدات القوات الخاصة لإقتحامات محددة لأهداف معيّنة داخل المدن، فجاء القصف الدقيق والمركّز على قطعات الحرس الجمهوري و”فدائيّو صدّام” التي تواجدت على المحاور التي إتّبعتها القوات الأمريكية لدى توجّهها صوب “بغداد”، ونخصّ منها بالذكر تلك المتمركزة على محور “المسيّب-اللطيفية” في توغّلها نحو “مجمّع قصور الرضوانية” الرئاسيّ، قبل أن تستهدف “مطار صدّام الدولي” في مطلع الأسبوع الثالث والأخير من الحرب.
8. أما الأداء النهائي فقد أُنيط لطائرات مقاتلة الدروع (A-10) في سماء “بغداد” لتُسند المتوغّلين في بعض أحيائها بأسلوب أكثر قُرباً وأعظم دقّة بتوجيه نيران مباشرة نحو دبابات “الحرس الخاص” ومدرعاته وعجلاته المحمّلة بالرشاشات الثقيلة وأسلحة أخرى متنوعة كانت منتشرة حواليّ الأهداف الحسّاسة والمواقع الرئاسية وتلك المساكن التي إتّخذتها القيادة العراقية مواقع بديلة لمقراتها الأساس, وذلك في المرحلة الأخيرة من إقتحام الأمريكيين لأواسط عاصمتنا الحبيبة.
لكل ما أوردناه من مشاهد وحقائق تلمّسناها بأنفسنا، فقد رأيت بأم عيني أن المحاور -الرئيسة منها والثانوية- المؤدّية نحو “بغداد” أمست مفروشة بأبدان دبابات ومدرعات ومدافع مسحوبة أو ذاتية الحركة متروكة وأجزاء متناثرة من بقايا أسلحة الحرس الجمهوري وبعض الجيش العراقي، وذلك ما تسبّب في محدوديّة المقاومة العسكرية العراقية بل وإنعدامها في أكثر من محور ذي أهمية…
ولذلك كلّه يجب أن لا يستغرب القارئ العزيز والمتابع الكريم لشؤون هذه الحرب القصيرة، أن كل تفاصيلها لم تكن متكافئة بالمرة، وبالأخص الطيران الحربي -الذي ليس بمقدوره إنهاء أية حرب- فإنه قصم ظهر العراق وأخمد دفاعاته وأشغل قياداته العسكرية والسياسية وقطع أوصال بقاعه وشتت جيشه وقواته المسلحة، فلم يعد قادراً على مجابهة الأمريكيين والبريطانيين بقواته المسلحة المتواضعة نسبياً بعد أن تدنت قابلياتها المعروفة على القتال، ما تسبب في تقدم سريع للغاية للحليفين وتحقيقهما نصراً كاسحاً لتنهار الدولة العراقية برمتها.
ولنا في قادم الأيام دراسة مسهبة عن أسباب ذلك النصر البري الحليف، سينشرها هذا الموقع الأغر إن شاء الله.

أحدث المقالات

أحدث المقالات