العودة الى تذكر مقاعد الدراسة وأيامها لمن ناف على الخمسين من أمثالي، هو الحنين بعينه الى تذكر الأيام الخوالي، وأيام الصبا والشباب التي لن تعود أبداً إلا لمن حمل قلب الشباب في كل مراحله العمرية، وقليل ما هم، في زمن تتقاذف على النفوس حمم المتاعب والمصاعب والفتن الإجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحاصر المرء من كل جانب، ولا يكاد يبين يمينه من شماله.
في خضم الذكريات المطرزة بألوان الطيف الندية وأحلام الصبا الوردية التي ذبلت مع الزمن، عادت بي الذاكرة الى مقاعد الدراسة في مسقط رأسي كربلاء المقدسة، في إعدادية القدس، إلى سبعينات القرن العشرين، إلى تلك الوجوه التي كنا نلتقيها صباح كل يوم من أساتذة وطلبة، بعضها نذكرها بالخير أحياءً أو أمواتاً وبعضها حملت شرها الى قبرها لتورطها في دماء أساتذة وطلبة، وبعضها مازالت مثلنا تتنقل في جبهات الحياة من معركة الى أخرى بين كر وفر إلى أن يحط على كتفها طائر المنون، وبعضها حافظت على طراوة روحها رغم رمادية الواقع الذي كان يسوده شعار (من ليس معنا فهو ضدنا)، وهو شعار عاد ليبرز من جديد بعد أربعة عقود من الحصار النفسي والقمع الروحي، عاد ليتصدر الموقف السياسي العراقي في غفلة تامة ونسيان مطبق كلّف العراق الويلات منذ قرون طويلة ومازال، كأنّ آيات النذير الربوبية وخطابات التحذير النبوية نزلت في العراق لا في الجزيرة، ومع هذا فإن النسيان هو سيد الموقف!
في خضم أمواج الذاكرة المتنافرة، تراءى من عدسة الأيام المقعرة أطلس العالم وخرائط الدول العربية وغير العربية التي كنا ندرسها، إذ كان يقوم مدرس الجغرافية الأستاذ رسول نامليتي الحائري برسمها على السبورة ويتولى شرح البلد وموقعه من خطوط الطول والعرض وما يتعلق به من جزئيات.
الأستاذ النامليتي، وهو عمُّ المداح والرادود الأممي الشهير الملا باسم الكربلائي، من الصور الجميلة المحفورة في جوانيات الذاكرة، لدماثة أخلاقه وحسن تعامله مع الطلبة رغم صبيانية بعضنا وسعة صدره وأسلوبه الشيق في إيصال مادة الجغرافية الى المتلقي، وهو واحد من ضحايا شعار المعية والضدية الملازم لأحوال الأمة العراقية، فرمته شظايا الشعار المغلَّف بالطائفية السياسية المقيتة خارج أسوار الوطن، وعلى منواله راح الخلف يتبع آثار السلف في لفظ أمثاله، سيان عندهم إن كان من حملة شهادة الأصالة (ألف) أو التبعية (باء)، آخذين بتلابيب البلد الى الخراب، كما حوّل صاحبهم من قبل، خضراء العراق إلى يباب.
ذكريات بشهدها وعلقمها، من وحي مرحلة الدراسة ومعالم حدود الدول وجغرافياتها، أشعل فتيلها الجزء الثاني من كتاب (معجم المشاريع الحسينية) للمحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي، الصادر نهاية عام 2015م (1436هـ) عن المركز الحسيني للدراسات في لندن في 638 صفحة من القطع الوزيري.
جغرافية المنشأ والحال
كما في الجزء الأول من باب (معجم المشاريع الحسينية) الذي صدر عام 2010م، وهو واحد من ستين باباً من أبواب دائرة المعارف الحسينية، عمد المحقق الكرباسي الى تناول نشأة دول الكرة الأرضية وفق الحروف الهجائية، لينتهي في نهاية المطاف الى بيان الحضور الإسلامي بتفرعاته المذهبية في هذا البلد أو ذاك وما نهضت فيه من مشاريع على علاقة بالنهضة الحسينية وتوابعها، وذلك وفق الحروف الهجائية، فضم الجزء الأول دول: آذربايجان، إثيوبيا، الأرجنتين، الأردن، ثم أرمينيا التي كانت عندها تقع حدود ولاية الكوفة في القرن الأول الهجري، فيما ضم الجزء الثاني دول: إريتريا، إسبانيا، أستراليا، إستونيا، أفريقيا الوسطى، أفغانستان، الإكوادور، ألبانيا، ألمانيا، الإمارات العربية المتحدة، أميركا، وإندونيسيا.
قراءة مستفيضة يقدمها المؤلف عن كل بلد، معززة بالأرقام والمتون التاريخية والحديثة من مصادر ومراجع كثيرة إلى جانب القراءة الميدانية، مستعيناً في بعضها بمواطني البلد المعني أو بالمسلمين الذي هاجروا إليها واستوطنوها، ولاسيما فيما يتعلق بالجانب العقدي الذي له تأثير كبير على قيام حضارة وموت أخرى، أو ظهور حكومات وضمور أخواتها.
لقد ثبت من خلال استقراء واقع المسلمين خارج شبه الجزيرة العربية، أن الإسلام تجذر وضرب أجرانه في أرضية البلدان التي دخلها بسلاح العلم والثقافة والأدب والتجارة والسياحة، أما التي دخلها تحت حمأة السلاح انتهى به الأمر الى الخروج قسرا عبر بوابات القهر والحظر والموت الزؤام، وإندونيسيا وإسبانيا اللتان تابع الكرباسي نشأة الإسلام فيهما بشيء من التفصيل، شاهدتان على ما ترشَّح من السيفين، فإندونيسيا التي دخلها الإسلام أفراداً ووحدانا في القرن الثالث الهجري (العاشر الميلادي) يعيش فيها نحو 250 مليون إنسان، و95% منهم مسلمون وقد تجذرت في نفوسهم تعاليم الإسلام، وإسبانيا التي يزيد نفوسها اليوم على 46 مليون نسمة فإن 3% منهم مسلمون في حين أن الإسلام دخلها في القرن الاول الهجري (الثامن الميلادي) ركبانا وبقي فيها لقرون وكان المسلمون يعدون بالملايين إلى جانب أقلية مسيحية.
شتان بين دخول ودخول، وشتان بين مداد ومداد، فدخول الوحدان أنتج دولة كبيرة يرفع بين ظهراني أهلها الأذان منذ قرون مديدة، ودخول الركبان أضاع دولة كبيرة تقرع بين ظهرانيهم اليوم الأجراس منذ قرون بعيدة، والمداد الأسود ترك ثقافة تقبّلها أهلها بقبول حسن، والمداد الأحمر تذكّره أرباب السياسة المؤدلجون فأعملوا السيف في رقاب المهاجرين المستوطنين وفي بني جلدتهم حتى يعودوا إلى نصرانيتهم أو يذوقوا حرّ الموت، فلم يبق من الإسلام في إسبانيا إلا بقايا آثار إسلامية ومساجد تاريخية استفاد منها الإسبان في تحريك عجلة السياحة واستقطاب السياح من أقاصي الدنيا وأباعدها، على أن الخمسة بالمائة في اندونيسيا مظهر من مظاهر الإسلام الذي لا يقسر الآخر على الدخول في الدين والعمل بقاعدة (لا إكراه في الدين)، وأما الثلاثة في المائة إنما هي تعكس حجم المسلمين القادمين الى إسبانيا مؤخرًا كعمال ومهاجرين من شمال أفريقيا ومن غيرها وآلاف من الإسبان الذي دخلوا الإسلام بعد أن قرأوه أو تعرفوا عليه عبر احتكاكهم بالمهاجرين والذين استوطنوا إسبانيا، فلم يبق للمسلمين بعد سقوط الأندلس من باقية، وهذا يظهر حجم المداد الحمراء المضادة التي كانت تتقطر من سيوف الأوروبيين والإسبان التي لم تع قاعدة (لا إكراه في الدين) و(لكم دينكم ولي دين).
وأهم ما يمكن استخلاصه من تجربة المسلمين في إندونيسيا بحيث جعل منها أحد أركان انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا هو أن الدعوة الاسلامية كانت سلمية، وأن الدعاة الأوائل كان بعضهم من طبقة التجار، وأن الإسلام صنع الشخصية الإندونيسية ولهذا فهم لا ينسون فضل الأوائل عليهم. في حين أن الإسبان تذكروا ركبان المسلمين القادمين من شمال أفريقيا ونسوا كليا فضل الإسلام على عموم أوروبا، وازدهار التجارة والصناعة والزراعة والعلوم فيها حتى كان بابوات روما وقساوسة الفاتيكان يرتادون جامعات إسبانيا الإسلامية، ولأن الغضب الديني أعمى البصيرة نحو بعد أن أسقطوا الممالك الإسلامية إلى تدمير معالم الثقافة الإسلامية، فعمدوا الى حرق مكتبة قرطبة التي كانت تضم 400 ألف كتاب معظمها من المخطوطات، ومكتبة غرناطة التي أُحرق منها نحو مائة ألف كتاب ومخطوط، وهكذا في بقية المدن، وأقاموا محاكم التفتيش ونصبوا المقاصل والمشانق وأفران الحرق والسلخ.
ويواصل المحقق الكرباسي في استعراض جوانب من نشاطات المسلمين الأوائل في كل من إندونيسيا وإسبانيا وفضلهم على البلدين، وما آلت إليه ونحن في القرن الخامس عشر الهجري (مطلع الألفية الثالثة الميلادية)، ودور المسلمين في كلا البلدين والبلدان الأخرى التي ضم شرحها هذا الجزء من معجم المشاريع الحسينية، ومعالم الثقافة الحسينية فيها، قديما وحديثا.
سبق إسلامي
يسجل التاريخ الإسلامي أن إريتيريا وعاصمتها (أسمرة) هي أول دولة خارج إطار جزيرة العرب دخلها الإسلام في السنة الثامنة من الهجرة، ويسجل التاريخ أن هذا البلد استخدمه الأمويون في نفي بعض معارضيهم إليه، كما أن عدداً من المعارضين ممن ناصر حركة الإمام الحسين(ع) ونهضته اتخذوا من اريتريا مركزاً لهم بعيداً عن أعين السلطة، وفيها سكنوا وتناسلوا ومنهم من نسل عقيل بن أبي طالب(ع) وكانوا يعرفون بـ (الجبرتة).
وعندما ينتقل المحقق الكرباسي للحديث عن أستراليا ونشأتها، يرى أن الشعب الأبورجيني سكان أستراليا الأوائل تعرفوا على الإسلام قبل أن يحتكوا بالمسيحية، إذ: (تعد إستراليا أكبر جزيرة مسكونة في العالم وتقع في أقصى الشرق، ولم تكن مكتشفة حالها حال قارة أميركا، ولكنها اكتشفت قبلها، وذلك للتواجد السكاني في الجزر الغربية منها مثل أندونيسيا وماليزيا، وكانت هجرة المسلمين إليها قبل هجرة الغربيين إليها، حيث بدأت هجرة المسلمين بشكل عام قبيل الاكتشاف المنسوب الى كريستوفر كولومبوس عام 897هـ (1492م) لأميركا وذلك من خلال إبحار التجار والصيادين الإندونيسيين إليها)، مستشهداً ببعض المظاهر الإسلامية لدى سكان أستراليا: (فالشعب الأبورجيني ما يزالون يعيشون حياتهم البدائية حتى وقتنا هذا ولديهم عادات وتقاليد كالختان ومراسم الزواج واحترام شيخ القبيلة ودفن الموتى مما يؤكد اتصالهم بحضارة إسلامية قديمة قبل أن يصل إليهم الإنسان الأوروبي، وقد قرئ القرآن ورفع الأذان قبل أن تدق نواقيس الكنائس على أرض أستراليا، وخير دليل على ذلك مئات المساجد التي بناها الأفغان في وسط استراليا منها ما هدم ومنها ما حوّل إلى متاحف أثرية).
وأما ما يتعلق بدولة إستونيا، وهي من دول البلطيق وعاصمتها (تالين)، والتي يشكل المسلمون فيها 8% من عدد سكانها البالغ نحو أقل 1,4 مليون إنسان حسب احصائيات عام 2015م، فإن الإسلام دخلها عام 25 للهجرة، أي في القرن السابع الميلادي، وذلك بدخول الإسلام إلى القوقاز الكبرى، على ان مصادر أخرى ترى أن نسبة المسلمين هي 14% من سكان إستونيا الذين فيهم نسبة كبيرة ملحدة، ومع لا دينية النظام السياسي فإن الإسلام يعاني من مضايقات، وحسب تعبير المؤلف: (ورغم أن الدولة علمانية إلا انها لا تفسح لهم –المسلمون- المجال حيث لازال التيار النصراني مسيطر عليها، وهي تُهمِّش الأمور المتعلقة بالمسلمين، ويحاول المسلمون أن يستأجروا قاعات كبيرة لأجل الإحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية).
ويعّرج المحقق الكرباسي على قارة أفريقيا ثانية للحديث عن دولة أفريقيا الوسطى وعاصمتها (بانگي) التي يشكل فيها المسلمون 60% من عدد سكانها البالغ نحو 4,7 مليون إنسان حسب احصائيات عام 2015م، على أن بعضهم يقلل النسبة الى 28% عازين ذلك إلى حملات القمع والتهجير للمسلمين، وبخاصة ما أصاب أتباع أهل البيت(ع) من قتل وتهجير بسبب تحالف عصابات استئصالية محسوبة على المسيحية مع نظرائها محسوبة على الإسلام. ويرى الكرباسي أن الإسلام دخلها في القرن الثالث الهجري بشكل بسيط ثم انتشر في القرون التالية، وكما في دول جنوب شرق آسيا فإن للتجار المسلمين تأثيرًا إيجابيًا على دخول الإسلام إلى أفريقيا الوسطى فضلا عن الطرق الصوفية التي لازالت الى اليوم تمد جذورها في الدول الافريقية.
أما الحديث عن أفغانستان، فهو حديث عن تاريخ طويل وعريض لبلد دخله الاسلام عام 21 للهجرة، ويبلغ سكانه حسب احصاءات 2015م نحو 32 مليون نسمة و99% منهم مسلمون منقسمون قوميا على الپشتون والهزارة والطاجيك والأوزبك والتركمان وغيرهم، وهم متوزعون مذهبيا على الأحناف 57% والإثني عشرية 35% والإسماعيلية والعلوية 5% ومذاهب أخرى2% و1% من بوذ وسيخ ونصارى.
وأفغانستان كغيرها من البلدان التي دخلها الفكر التكفيري الإجتثاثي تعرض أهلها الى مذابح وتهجير واستباحة للمحرمات وقتل على الهوية المذهبية والقومية واللغوية وإبادة بشرية، يشير المحقق الكرباسي في مطاوي الكتاب إلى أهمها.
ومن آسيا ينتقل المحقق الكرباسي الى أميركا الجنوبية متحدثا عن الإكوادور وعاصمتها كيتو، التي يشكل المسلمون نحو 3% من سكانها البالغ عددهم نحو 16,3 مليون إنسان حسب احصاءات عام 2016م، ويرى أن الإسلام دخل هذا البلد في القرن التاسع الهجري (ق15م) عبر مسلمي الأندلس، وبتقديره: (إن العامل المهم للدخول في الإسلام يكمن في أخلاقية الإسلام وعقلانية قوانينه)، وهذه الوصفة ليست خاصة بالاكوادور وإنما في كل بلد، لأن الأخلاق هي رسالة الإسلام كما قال النبي محمد (ص): (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وهي رسالة صدق صدّقها رب الأرباب: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وأما العقلانية فهي صفة قوانين الإسلام وشرعه التي لا تتناقض مع العقل السليم، فما أقره العقل السليم أقرّه الشرع القويم، فالإسلام دين الفطرة، ولهذا يتقبله المرء البسيط بقلبه ويتقبله المرء المتعلم بقلبه وعقله إذا ما قرأه قراءة واعية، وتأكيداً لهذه الحقيقة يورد الكرباسي تجارب عدد من الإكوادوريين الذي تأثروا بأخلاقية الإسلام وعقلانيته وتقبلوه بصدر رحب.
ويلاحق الكرباسي بوصلة الأبجدية العربية ليغرز سنبلة تحقيقه في قارة أوروبا متحدثا عن نشأة ألبانيا وعاصمتها تيرانا، وحلول الإسلام فيها، وهو البلد الإسلامي الذي يبلغ نفوسه نحو 4,4 مليون نسمة منهم 11% من غير المسلمين، وقد دخله الإسلام في القرن الأول الهجري (ق7م)، ولشدة تأثرهم بالإسلام فإنهم إلى عهد قريب كان بعض أدبائهم وشعرائهم ينظمون ويكتبون الألبانية بحروف عربية، واشتهرت ألبانيا في العهد العثماني بمساجدها التي نافت على الثلاثة آلاف مسجد ناهيك عن المعاهد والكتاتيب والمكتبات، وانحسرت هذه الأرقام بعد خروج ألبانيا عن الدولة العثمانية، وبخاصة بعد وقوعها تحت هيمنة الحكم الشيوعي في العقود الماضية.
ويؤيد المحقق الكرباسي ما ورد عن الواقع المذهبي والعقدي في ألبانيا: (إن حب أهل البيت عبارة عن عقيدة مشتركة بين جميع الألبان سواء كانوا شيعة أو سنّة وسواء كانوا مسلمين أو مسيحيين).
وعلى جانب آخر من أوروبا يتناول المؤلف ألمانيا ونشأة الإسلام فيها، وهو البلد الجرماني الذي يشكل المسلمون 17% من نحو 82 مليون إنسان، حيث يعود البعض بتاريخ الإسلام فيه الى القرن الثاني الهجري (ق 9م) على شكل أفراد، ولكن الوجود الحقيقي للمسلمين تكاثف في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري (ق 20م) حيث بدأت المساجد تظهر معالمها بشكل جلي، وحسب تقارير عام 2001م فإن في ألمانيا نحو 2000 جمعية إسلامية مسجلة رسميا ونحو 2200 مسجد ومركز وحسينية، ومع حصول النكبات في الشرق الأوسط في العقود الثلاثة الماضية ازدادت هجرة المسلمين الى ألمانيا كما ازدادت معها الجمعيات والمراكز والمساجد والحسينيات.
ويتحول الكرباسي من أوروبا الى آسيا متحدثا عن دولة الإمارات العربية المتحدة البالغ نفوسها نحو 2,4 مليون نسمة، خمسهم من الشيعة و1% من غير المسلمين، وهي جزء من جزيرة العرب التي دخلها الإسلام في حياة النبي محمد (ص)، ومن الناحية التاريخية كما يرى المؤلف فإن سكان الإمارات هم من اليمنيين والشاميين والإمارات الخليجية وقبائل الشحوح والبحارنة واللواتية والأفارقة والعجم والبلوش والهنود (ألبانيان) والأوروبيين، وقبائل الحبوس.
ومن مياه الخليج ينتقل المحقق الكرباسي الى المحيط الأطلسي غربًا متحدثا عن أميركا التي يمثل المسلمون نحو 6% من سكانها البالغ عددهم نحو 296 مليون إنسان حسب إحصاءات 2016م، وقد كثر الكلام حول اكتشافها ونشأتها، ويرى المؤلف من خلال بعض الدلالات والمعالم التاريخية: (إن المسلمين وصلوا الى هذه القارة – أميركا- قبل كولومبوس بنحو القرنين من الزمن)، ناهيك عن حملة كولومبوس نفسها عام 1492م (897هـ) حيث: (كان مع كولومبوس مجموعة من المسلمين الإسبان فيكون للمسلمين دور في اكتشاف قارة امريكا)، بل وإنَّ إسم القارة كما تقرر بعض المصادر التاريخية مأخوذ من كلمة (أميركم) العربية.
وبالقرب من أميركا يبحر الكتاب الى كوبا، وحديث الدكتور ألبرتو ليون باشيكو (Alberto Leon Pacheco) الذي كتب باللغة الغاليشانية مقدما على الجزء الثاني من معجم المشاريع الحسينية، مؤكدا حسب قراءته للنهضة الحسينية: (إن حياة الإمام الحسين وشهادته تقدم لكل المسلمين درسًا في التضحية والتفاني والصبر ابتغاء مرضاة الله، ومع أن الحسين فقد كل رجاله ولكنه ثبت على موقف الحق ولم يتردد).
ووقف الدكتور ألبرتو ليون باشيكو المحاضر في معهد لاجاس الطبي (lajas medical institute) في مدينة بيامو الكوبية، وهو من المسيحيين الرومان الكاثوليك، مندهشاً أمام الموسوعة الحسينية المختصة بشخصية الإمام الحسين(ع) ونهضته، وحسب قوله مخاطباً من لم يطلع على حجم الموسوعة داعيا إياهم للوقوف عليها: (تتألف دائرة المعارف الحسينية من 900 مجلد، ويبدو من السهل القول ذلك ولكن يبدو من المستحيل الإقرار بهذه الحقيقة حتى تشاهد ذلك بنفسك)، وهذا الجزء الذي قرأه الدكتور باشيكو والذي حمل الرقم 93 من مجموع الأجزاء المطبوعة التي بلغت نحو مائة مجلد حتى الآن، يحكي هذه الحقيقة التي يصعب هضهما حتى للمقربين من المؤلف فكيف بالأبعدين!