22 نوفمبر، 2024 6:36 م
Search
Close this search box.

هل شارفت الرأسمالية على نهايتها ..؟؟ الجزء الأخير

هل شارفت الرأسمالية على نهايتها ..؟؟ الجزء الأخير

جاء في مقال الاستاذ سعيد رهنما: ” بانه على الرغم من التكاليف والتضحيات الجمة، فقد أصاب الفشل كلاً من الستراتيجيات الثورية والستراتيجيات الاصلاحية التي اتبعها الاشتراكيون في مختلف بقاع العالم. وغالباً ما اضطر هؤلاء إلى تغيير مسارهم صوب السير على طريق الرأسمالية وان الاشتراكيين انفسهم من يتحمل وزر هذا الفشل. مثل هذا القول يوحي بأنه بالفعل انتهت جميع التجارب الثورية الى الفشل بينما الواقع ليس كذلك.

فالتجارب التاريخية تدلنا على حقيقة ان الستراجيات الثورية والاصلاحية السابقة لم تنجح جميعها كما لم تفشل جميعها أيضا في الحقبة التاريخية الماضية منذ الثورة البلشفية وما بعدها. وليس صحيحا في الوقت نفسه أن يعطي أحد لنفسه الحق في اعتبار أحكامه كلية الصحة وبخاصة في هذا الشأن المهم والتاريخي. فالسلطة الكوبية تمكنت من الصمود ولم تتراجع عن قراراتها الاشتراكية برغم سياسة العزل والتجويع ( الحصار السياسي والمقاطعة الاقتصادية ) التي فرضتها عليها الولايات المتحدة منذ عام 1959 وما زالت في الجوهر متمسكة بالبرنامج الاشتراكي حتى بعد توقف الدعم السوفييتي بعد تفكك المعسكر الاشتراكي.

أما الصين الشعبية فبرغم تبنيها برنامجا رأسماليا بما تسميه اشتراكية اقتصاد السوق منذ عام 1979 ما تزال ملتزمة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ولم تتخلى عن الاشتراكية كهدف قائم ودائم وان تبنيها لنظام اقتصاد السوق ليس الا استكمالا لمرحلة الثورة الوطنية البرجوازية عبر الانتقال التدريجي بالاقتصاد الصيني نحو الاقتصاد الاشتراكي. فمن هم الاشتراكيون الذين فشلت استراتيجتهم الثورية وتوجهوا بعد ذلك صوب الرأسمالية ؟؟ الكاتب لم يسمي حزبا أو سلطة ثورية قامت بالفعل بالتراجع عن برنامجها الاشتراكي.  الدولة السوفيتية منذ لينين ومرورا ببقية القيادات حتى غروميكو لم تتراجع عن سياساتها الثورية الا استجابة لظروف حتمتها متطلبات استكمال التنمية الاقتصادية والاجتماعية الراسمالية ولفترة زمنية تابعت بعدها مسيرة بناء الاقتصاد الاشتراكي على قاعدة الملكية العامة لوسائل الانتاج. الانحراف الوحيد عن السياسة الاشتراكية وأسسها تم فقط على يد القيادة الانتهازية الذيلية لميخائيل كورباجيف الذي تولى قيادة الحزب الشيوعي عام 1985.

لقد عمل كورباجيف بكل نشاط ويدا بيد مع رونالد ريغن رئيس الولايات المتحدة حينها على تفكيك وانهاء النظام الاشتراكي دون أي مردود اقتصادي لبلاده وخرج من حلبة السياسة الروسية غير مأسوف عليه. كان بامكانه ان يجري اصلاحات اقتصادية وسياسية لتعزيز النظام الاشتراكي ويحسن بنفس الوقت علاقات بلاده مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الراسمالية لكنه اختار طريق الاستسلام الكامل.

لكن هناك أمثلة كثيرة على التزام الكثبير من الاشتراكيين في العديد من البلدان بالسياسة الاشتراكية والوطنية التي اختطوها ولم يتراجعوا عنها وضحوا بحياتهم من أجلها. فالرئيس الشيلي سلفادور الليندي الذي أمضى 40 عاما من حياته في خدمة بلاده انتخب رئيسا لبلاده عام 1970 لم يتراجع عن نهجه الاشتراكي حتى الاطاحة به واغتياله ابان الانقلاب العسكري الذي نظمته الاستخبارات الامريكية في أيلول سبتمر من عام 1973.  والحال نفسه مع كوبا وحكومة وزعيم دولة غرينادا اليسارية الجزيرة الصغيرة في الكاريبي التي أسقطها الامريكيون في ثمانينيات القرن الماضي واغتالوا زعيمها. ورومانيا الاشتراكية التي رفضت الضغوط التي وجهها لها كورباجيف لتغيير سياستها والقبول ببرنامجه الانتهازي التصفوي والتي انتهت بتدبير انقلاب عسكري أطاح بالحكومة الاشتراكية واغتيال رئيسها ساوشيسكو وفرض التغيير الذي أراده لها. عدا ذلك هناك عشرات الحكومات الوطنية في العالم وبخاصة في الشرق الأوسط وافريقيا لم تتراجع عن سياساتها الوطنية فكان مصيرها الاطاحة بحكمها عبر الانقلاب العسكري. كحكومة مصدق في ايران وعبد الكريم قاسم في العراق وحكومة سوكارنو في اندونيسيا وحكومة لومومبا في الكونغو وحكومة نيكروما في غانا وحكومة زياد بري في الصومال وحكومة القذافي في ليبيا.

لقد أوقف تنفيذ البرامج التنموية الوطنية بعد اسقاط حكوماتها واغتيال قادتها لتستبدل بحكومات عميلة وببرامج اقتصادية ليبرالية موالية للراسمالية الامبريالية سلمت في ظلها موارد البلاد الطبيعية للشركات متعددة الجنسية. وبناء على هذا لم يكن صحيحا أبدا ما ذهب اليه الاستاذ رهنما ومحاوره كوين أندرسون في استنتاجهما بان الستراتيجيات الثورية التي اتبعها الاشتراكيون في العالم قد فشلت وان اليسار يتحمل وزر هذه الهزائم الثقيلة. ومما ادعاه مخطئا السيد أندرسون ان :

” الثورات التي حدثت تحولت بسرعة إلى شيء مغاير لهدف المشاركين فيها. وبدون شك، يتحمل اليسار وِزر هذه الهزائم الثقيلة، وعلى النطاق الأممي، فقد انطوت الثورة الروسية على أكبر الآمال، وعلى أكبر الهزائم لنا في الوقت نفسه.  فالثوريون الروس واجهوا أعتى القوى المعارضة لهم، مما يفسر لجوءهم إلى الإرهاب دون أي مبرر لذلك “.

ما اصطلح عليه ارهابا في روسيا قصد به  الاجراءات الحازمة التي اتخذتها السلطة الروسية بعد الثورة لقمع ثورة الردة والأعمال التخريبية التي قام بها المزارعون لافشال تطبيق السياسة الزراعية والتي سببت مجاعة ذهب ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين الروس في المدن.لكن لا السيد رهنما ولا أندرسون لم يبينا الكيفية التي كان على الثوريين الروس التصرف وفقها حيال المشاركين في ثورة الردة والمسئولين عن التخريب الاقتصادي. فلولا تلك الاجراءات الحازمة من قبل سلطة الثورة ضدهم لكانوا سيقضون على السلطة الاشتراكية وقيادتها ومؤازريها والتسبب في موت آلاف أخرى من الناس بسبب المجاعة.

السلطة الروسية لم تستخدم العنف الا ردا على التخريب الاقتصادي والتهديد الذي شكلته القوى الرجعية الداخلية بالتحالف مع الدول الامبريالية التي كانت مصممة على الاطاحة بالسلطة الفتية واعادة النظام الاقطاعي الراسمالي الى روسيا. لقد كان من الصعب تصور بقاء السلطة الاشتراكية ليوم واحد بدون العنف الثوري ومن السهل اليوم التحدث عن التعامل السلمي و استخدام وسائل ديمقراطية في مواجهة غزو أجنبي شاركت فيه الى جانب أعداء الثورة في الداخل جيوش أربعة عشرة دولة مجهزة بمختلف وأحدث الأسلحة.

ويتطرق الكاتب في مقاله عن قيادة ثورة أوكتوبر فيقول : ” لقد ذهب حزب الطليعة اللينيني بعيداً عن الواقع، ولم يستطع إدراك التناقضات في داخل الطبقة العاملة ولا التناقضات بين الطبقة العاملة والمكونات الطبقية الأخرى كالتباينات على أساس الجنس والقومية والمواقف المعقدة للبرجوازية وغيرها. إنه لم يستطع إدراك الجوهر المتناقض للقوى الفاعلة في المجتمع. ونظر البلاشفة إلى الواقع بشكل مبسط للغاية، واعتبروا أن للجميع مصالح مشتركة.” فهل حقا هكذا تصرفت قيادة الحزب والحكومة الثورية حيال التناقضات والتباينات الاجتماعية داخل المجتمع السوفييتي..؟؟

كتابات لينين وبخارين وستالين وتروتسكي والسياسة الاجتماعية لسلطة الثورة في التطبيق بعد ثورة أوكتوبر لم تشر الى شيئ من هذا. فمخططوا ثورة أوكتوبرالاشتراكية عام 1917 لم يكونوا مغامرين أو تجريبيين ولم يتعلموا عبر التجربة والخطأ وإن استفادوا كثيرا من أخطائهم لكنهم لم يعتمدوا على المنظرين البرجوازيين من أمثال هنري سان سيمون وجارلس فورييه وروبرت أوين وغيرهم ، بل نهلوا من المدرسة العلمية لماركس وأنجلس. لينين ورفاق الثورة الاشتراكية لم يكونوا منظرين فحسب بل واقعيين وعمليين استخدموا المعرفة الماركسية لصالح ثورة البروليتاريا وانجاحها بالاعتماد على العمال الروس وبقية الشرائح المجتمعية وبالأخص صغار المزارعين وبقية فئات المجتمع التي انضمت طوعا للثورة الروسية وحملت السلاح للدفاع عنها. لينين ورفاقه درسوا واستفادوا من التجارب الثورية السابقة للحركات التقدمية في كفاحها الطبقي والوطني ضد الاستعمار والاستغلال الذي كانت تمارسه الحكومات الرجعية لصالح الاقطاع وارباب العمل..-*  

ولأن الثورة جابهت الثورة المضادة والحرب الأهلية والتدخل الاجنبي فلم يكن ممكنا تحت تلك الظروف سلوك طريقا وسطا فكان لابد من الصراع المباشر مع اعداء الثورة. وفي كلمته في مجلس سوفييت موسكو في 23 ابريل نيسان 1918 قال لينين: ” نحن طليعة ثورية للطبقة العاملة تقدمنا الصفوف ليس بكوننا أفضل من بقية العمال وليس لأن البروليتاريا الروسية أعلى مرتبة من الطبقة العاملة في بقية البلدان بل لأننا من بلد هو الاكثر تخلفا في العالم. حالة التخلف التي وجدنا أنفسنا فيها وضعتنا في الجبهة الأمامية وسنفشل مالم نكون قادرين على التماسك والاصرار حتى نحصل على الدعم القوي من العمال الذين يعلنون تمردهم في البلدان الاخرى.” (المؤلفات الكاملة ص233 من الفصل 27)

لقد اضطرت قيادة الثورة الروسية على التراجع عن برنامجها الثوري لبعض الوقت وعندما عاد السلام الداخلي بعد قمع الثورة المضادة وافشال العدوان الخارجي استمر النشاط الاقتصادي اعتمادا على نظام اقتصاد السوق لفترة لحين ما يعاد بناء الصناعة والقوى العاملة. ظروف الثورة في روسيا فرضت على قيادة الحزب ضرورة الاطاحة بالقوة بسلطة القيصر ولهذا تحالفت الطبقة العاملة مع صغار الفلاحين ، لكن هذا التحالف اثار مشكلة كبرى. فالبروليتاريا كانت تسعى الى تأميم الملكية الخاصة ووسائل الانتاج. لقد شعرت قيادة الثورة بضرورة ذلك منذ البداية لكن المصاعب كانت بالغة فالملكية العامة تعني نهاية التحالف مع صغار الفلاحين الذين شكلوا نسبة كبيرة من جماهير الثورة.

لينين وبقية قيادة الحزب كانوا على بينة ويدركون ذلك جيدا ، فالبروليتاريا لم تكن تشكل أكثرية الشعب أو أن تكون قادرة على أن تقيم لوحدها نظاما اجتماعيا اعتمادا على قواتها الذاتية. وكان هذا الواقع قائما في الجيش والادارة التي ورثوها من القيصرية ، لكن قيادة الثورة كانت تراقب الادارة والجيش عبر كوادرها المتقدمة منعا لأي محاولة قد يقوم بها أعداء النظام الجديد. الوقائق المارة الذكر تنفي نفيا قاطعا ما أورده الاستاذ رهنما في مقاله بأن البلاشفة نظروا الى الواقع بشكل مبسط للغاية  ولم يستطيعوا إدراك التناقضات في داخل الطبقة العاملة ولا التناقضات بين الطبقة العاملة والمكونات الطبقية الأخرى ونظروا إلى الواقع بشكل مبسط للغاية، واعتبروا أن للجميع مصالح مشتركة.

الهوامش:

www.workers.org Revolution Utopian?,  Was Russian*

Why Socialism is On The Rise?, frontpagemag.com  ? **

***- مقال ” هل شارفت الرأسمالية على نهايتها ؟ ترجمة الاستاذ الدكتور عادل حبه.

أحدث المقالات