19 سبتمبر، 2024 7:16 م
Search
Close this search box.

أساطير من مدينة الناصرية

أساطير من مدينة الناصرية

1 / دموع عبد اليمة البناء
فقد الحاج عبد اليمة البناء أجمل ابناءه عندما غرق في نهر الفرات قرب الجسر الفرنسي وكان طالبا في الاعدادية.
حزن الأب على ولده بشكل عجيب ، وأوغل به الحزن الما وانكسارا ليتوقف عن العمل كبناء محترف تعرفه المدينة كلها ، وركن الى طقوس العبادة وملازمة البيت والجامع .
أتذكر دموعه وأنا اعانقه مواسيا في اول يوم من مأتم الآبن الغريق . فتخيلت دموعه على شكل طابوق احمر مثل ذلك الذي كان يرصفه على جدران البيوت وهو ذاته الذي بنوا منه زقورة أور.
ذات يوم كنت اعبر مشيا على جسر ميرابو فوق نهر السين بباريس . لأتوقف فجأة وأتذكر دموع ( أبو حكيم ) وانا اتطلع الى الطابوق الاحمر الذي بنيت منه اساسات الجسر وقد كتب عليها عاشقان ذكرى عنقاهما الاول هنا ذات يوم ، وما مكتوب كان يقول : ( الدموع تصير حمراء فقط عندما يغرق في النهر شيئا من قلوبنا )
وحتما النهر الذي جعل دموع الحاج عبد اليمة حمراء . قد اخذ شيئا من قلبه.
 
2 / شارب التأريخ
للشاعر رزاق الزيدي مرثية خالدة في جسر الناصرية الذي قصفته طائرات التحالف الامريكي في حرب الخليج الأولى . واستشهد جراء القصف المئات من ابناء مدينة الناصرية كانوا لحظة القصف يعبرون الجسر الغارق بالنهر والذي كان متحطماً  جراء ضربة جوية قبل هذه الضربة ، وقيل وقتها ان الطيار كان قطريا ، ولكن اي وثيقة لم تثبت ذلك ، الذي ثبت في الذاكرة المرثية التي كتبها الزيدي ومطلعها الذي يقول : الناصرية شعرة في شارب التأريخ بيضاء .
ويبدو أن تواريخ الحرب مع المدينة لم تتوقف .وظلت طوال عصورها تزف الشهداء الى مقابر النجف.
العلامة الفارقة في جدلية الحرب والمدينة هو هذا الشارب الابيض لتواريخها الذي يكون بياضه براقا كما بريق بياض الكفن.
 
3 / العنز والدباغ
عندما كنا نخرج من العرض الليلي من سينما الاندلس الشتوي ، هناك طريقان نذهب بهما الى بيوتنا ، الأول عبر الشارع الذي يمتد بقيصرية القماش الى الشاطئ ، والثاني من خلال الزقاق الذي يمتد من امام محلات باتا الى بناية السينما ثم ندلف الى شارع الجمهورية ، وكنا نفضل هذا الطريق من اجل ان نمتع اسماعنا بحنجرة المطرب حسن حياوي ، القادم من مدينة الحي في ضيافة صديقه المرحوم عبد الحر ناصر الذي يملك محلا لتصليح المسجلات وتأجير اجهزة الصوت في شارع الجمهورية.
اتذكر بحته صوت حسن وهو يغني ابوذياته المشهورة التي تبدا بعبارة :أكل ياعنز والدباغ يولاك.
كلمة يولاك ، ظلت ملازمة لتلك الولاية التي يفرضها علينا القدر .
الجنرال يولاك، الاقطاعي يولاك، شظية الحرب يولاك …
فيما حسن حياوي المسكين تولاه مرض التدرن الذي نخر رئتيه وقتله.
 
4/ يطغ سعد مطر
قضيت انا وسعد معهد اعداد المعلمين سوية .وساقونا للجيش سوية من مركز تدريب دروع تكريت ثم معسكر التاجي ، ثم بدرة ، ثم مدرسة المخابرة في كركوك ، ثم اخذتنا جبهات الحرب كل على حده .هو مخابر مشاة في لواء 36 مشاة وانا في ك.م.متو / 240.
كنا نلتقي دوما اما في الاجازات او في تجحفل وحداتنا سوية في احدى الجبهات ، بنجوين ، مندلي ، بحيرة الاسماك ، ولم اكن اجد سعد إلا من خلال يطخه الذي تعمد عرضه دوما فوق سطح الملجأ او الربيئة ، فأقول لمن معي :هذا صديقي سعد مطر في هذه السرية ، فأسأل عليه واجده .
وعندما تسأله عن سبب رمي يطغه لأشعة الشمس يرد علي بهمس: آنا اكره الحروب لأنها ممتلئة بجراثيم قسوة الجنرالات ، وجراثيم الحرب لن يقتلها سوى اشعة الشمس القوية.
 
5 / صورة فؤاد الركابي
كان المطرب العراقي الراحل فؤاد سالم يسكن في شقة صغيرة في منطقة السيدة زينب ، وعندما انتقل للسكن في دمشق أجرها لصديقه عادل كريم كردي ، فصارت الشقة مضيافة للقادمين من ابناء الناصرية لقضاء الصيف في الشام والسيدة لما يتمتع به ( ابو سلام ) من نفس كريمة وطيب بالرغم من ان الشقة كلها غرفة نوم وصالة صغيرة.
في غرفة النوم علق عادل صورة لخاله المرحوم فؤاد الركابي احد مؤسسي البعث في العراق والذي اغتيل بأمر من ناظم كزار في اذار 1971في سجن بعقوبة قبل اطلاق سراحه بيوم واحد .والصورة تجمع الركابي بجمال عبد الناصر.
كان لزاما على ضيوف عادل مرغمين ان يسمعوا من عادل قصة تلك الصورة قبل النوم وبعد النوم ، بالرغم من انهم يسمعوها في ضيافة عادل لأكثر من مرة والسبب ان ابو ( العوادل ) نسى ان يتذكر انه قص قصة الصورة عليهم.
انا من الذين نالهم السماع المتكرر للقصة حتى عندما يداهمني النعاس ولاأدري ان كان عادل اكمل القصة وحده ام سكت.
في كل مرة عندما اجلس على مقعد الطائرة الذاهبة من دوسلدورف الى دمشق حيث يستقبلنا كرم عادل وطيبته ويوفر لنا مصاريف الاكل والفندق .ولكني مع هذا استذكر مرارة اني سأستمع مرغما لأكثر من ثلاثة مرات في اليوم قصة الصورة التي التقطها المرحوم فؤاد الركابي مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
 
6/ موز صومالي
كان المرحوم مهدي دوح الخضار يمتلك محلا لبيع الفواكه في السوق العصري مقابل صفاة الخضرة في الناصرية .
كان صديقا طيبا ويأنس أليَّ وهو يستمع الى نصائحي الطيبية التي كنت اجلبها اليه من خلال قراءاتي لمجلة طبيبك السورية التي أسسها الدكتور صبري القباني والتي انتشرت قراءاتها في السبعينيات والثمانينات القرن .
في بداية ثمانينيات القرن الماضي اشتعلت الحرب بين العراق وايران ، فاعتنقت الدولة بشهية الناس لتعويضهم عن الضغط النفسي التي تسببه من خلال ضحاياها والتعتيم الليلي وجعل التلفزيون تعبويا ولايبث البرنامج الترفيهية المنوعة .
وحتى تعوض عن ضيق الناس وضجرهم من الحرب وصفارات الانذار صارت تستورد الموز الصومالي بكميات كبيرة وتوعه على محلات بيع الفواكه بأسعار زهيدة.
طوال بيعه للموز الصومالي بالرغم حجمه واغراء لونه الاصفر الشهي لم ارَ المرحوم مهدي يتناول واحدة .
وذات يوم اخبرته اني قرات في مجلة طبيبك أن من يتناول ثمرة موز واحدة كل صباح تنشط عنده هرمون السعادة ولن يغضب ويحزن طوال النهار.
ومع الصباح تناول مهدي ثلاث قطع موز ، وبقي مبتسما طوال اليوم .ولكنه ما ان ذهب الى بيت وعاد في اليوم الثاني ليقول لي بغضب :اين هرمون السعادة هذا ، البارحة صارت معركتي مع ام صالح من الرؤوس.؟
 
7/ حكم علينا الهوى
في فصل الصيف كانت عوائل مدينة الناصرية تنام فوق السطوح ، وربما بين الاف البيوت فيها هناك عشرات البيوت تكون عالية وبناءها حديث وبالطابوق الاصفر المفخور ونسميها قصور ، فيما يكون الطين واللبن الاحمر وصرائف القصب هي الالوف المتبقية من بيوت فقراء المدينة .
في ذلك الليل الصيفي ، كان في بيتنا قن طيور كبير تربي امي فيه الدجاح والبش البياض ، حيث تجمع البيض كل صباح وتجمعه في ثقه مغلفة بالتبن وتذهب الى الصفاة لتبيعها خصوصا بعد ان تكاسل ابي ولم يعد بذهب الى عمله في سوق الحبوب .
فوق هذا القن الطيني كنت انام في ذلك الليل الساحر وانا اجمع في اجفاني اضواء النجوم المشعة فأحولها مع نعاسي وصوت ام كلثوم القادم من مكبرة الصوة الكبيرة في سينما البطحاء الصيفي البعيدة عن بيتنا بفرسخين ، عندما يصل صوتها الساحر في اغنية (حكم علينا الهوى ) لتبثها السينما كل ليلة قبل بدء عرض الفيلم .
كنت انتظر هذه الاغنية بشفق قبل ان انام ، ومنها عرفت طفولتي كيف تحمل اجفانها على نسائم الصيف البارد وتحولها الى مركبات طائرة تذهب بي مثلما يفعل الرحالة .باريس ، روما ، شيكاغو ، دلهي واخيرا .لم  اشعر إلا وانا اسقط من سطح قن الطين ، وسط ضحكات الدجاج والبش على احلامي المستحيلة.
 
8 / حرملة في صفيح ساخن
عندما قرأت عنوان مسرحية تنيسي وليامز ( قطة على صفيح ساخن ) لأول مرة ، لا ادري لماذا تبادرت لي صورة حرملة ، تلك الشخصية التي يصورها قارئ المنبر الحسيني انها شخصية قاتلة وقاسية وماهرة في قتل الاطفال من خلال سهام قوسه حيث اصاب عبد الله الرضيع ابن الحسين في واقعة كربلاء بقلبه دون ان يهتز له رمش.
تاهت مخيلتي مع عنوان مسرحية وليامز وانا اتذكر حرملة الذي كنا نراه في سجادة تشابيه حادثة انتقام المختار من قتلة الحسين ع .
عندما كنا نخيل المشهد المرسوم وسط سجادة كبيرة نسجت في تبريز وتروي مشهد الثأر وقد تم اجلاس حرملة في قدر ساخن مملوء بالماء المغلي حيث يتم سلقه انتقاما لقتله الرضيع.
ليس هناك رابط بين قطة وليامز وقدر حرملة سوى العقد النفسية التي لها ابطال كثيرون في المسرحية فيما عقدة حرملة وهو في الصفيح الساخن ، احساسه ربما كيف تورط بقتل طفل رضيع ونال كل هذا الجزاء الرهيب.

 
From: [email protected]: [email protected]: RE: اعادة ارسال مقال من نعيم مع المودة كلهاDate: Mon, 14 Mar 2016 19:34:20 +0100
 
قصص قصيرة جدا من مدينة الناصرية
 
نعيم عبد مهلهل
 
1 / ( نغل )
 
قرب الصفاة توجد ماكنة ناجي عجام ، وقرب الماكنة مزبلة كبيرة للبلدية .
ذات صباح كنت اول الخارجين الى مدرستي الابتدائية. عندما وجدت طفلا يبكي وهو ملفوفا بقماط يكسوه الدم . ويبدو ان امه ولدته في الليل ورمته فجرا  في المزبلة.
الطفل كبر ، وفي حرب ايران قتل . وعلى لافتة استشهاده لم يضعوا سوى أسمه فقط
 
2 / ( الفانوس )
 
حمل الشاعر قيس لفته مراد ديوانه الشعري الفانوس الى مدينته وأقام حفل توقيع عائلي في بيت السيد محمد الباقري .
قال حينها :وكأني الآن أشعل النور في ليل مدينتي .
وعندما عاد الى بغداد ، توفي في غرفة مظلمة في فندق.
 
3/ ( عقيل علي )
 
الخباز تفوق على صمته ، ومشى من العجين الى القصيدة . اهل بغداد شككوا بأصالتها وتبعيتها للشاعر ، لكن اهل الناصرية يعرفون أنها له.
ولد وقرأ وكتب .
أما الباقلاء التي اتخذوها سبة عليه .
تجاوزها الى مجد كبير احتفت به دار نشر توبقال بالرغم انه توفى على الرصيف كما يقال.
 
4/ ( باب الشطرة )
 
للناصرية باب من جهتها الشرقية اسمه باب الشطرة ، لأن السيارات الدوج والشوفرليه الخشبية تنطلق منه الى الشطرة .
القصة أن المدرسة التي تقع في ذلك الباب رفضت تسجيلي تلميذا في الصف الأول لأن بيتنا قريب من باب الفقر وليس من باب الشطرة
 
5 / ( قبر حسون )
 
مرات ينشرون صورا قديمة للناصرية ومنها صورة لأبن شارعنا للمرحوم حسون كاظم الجاووش عندما كان صبيا ويتأرجح من دولاب هؤلاء خشبي في احدى الاعياد .
كبر حسون وتزوج سيدة طيبة ، لكنه اصيب بطلق طائش قرب حديقة غازي في انتفاضة التسعين .
ولأن الدفن في النجف متعذر في ذلك الوقت .دفنوه أمانة تحت شجرة سرو في تلك الحديقة.
 
6 / ( مقهى مسلم )
 
للأدباء في الناصرية مقهى على ناصية الشارع تهجع مساءاتهم اليه . يأوون اليه وكل قصصهم وقصائدهم تهجع الى جوار دخان السارات وغبارها .
وكأنهم في انتظار ايثاكا التي هي على شكل محافظ ليقولوا له : أستاذ بروح اجدادك ليس لنا مقرا سوى هذه المقهى.
 
7/ ( سيد حميد الحصونة )
تفخر الناصرية ان لديها قائد فرقة عسكرية في اول العهد الجمهوري ، يقال أن الزعيم كلفه بضم الكويت الى البصرة.
ما الذي جرى بعد ذلك .
السر مع الزعيم وقائد الفرقة سيد حميد وعبد السلام عارف ايضا.
الان الكويت دولة متحضرة ومستقلة ، ومن السذاجة أن نضمها الى مجلس محافظة البصرة التعبان.
 
8/ ( قاسم القماش )
 
المرحوم قاسم القماش مات بحادثة سير ، وأكثر من حزن لموته نساء المدينة .
فلقد كن يتجمعن حول دكانه كما الزنابير حول آنية العسل .
وعندما مات .الكثير منهن فضلن التسوق من سوق الشيوخ وليس من قيصرية القماش في الناصرية.
 
9/ ( طاووس البلدية )
 
كل 14 تموز من كل عام يضيئون طاووس النيونات الملونة في واجهة مبني البلدية .
المارة يؤدون له التحية وللزعيم ايضا.
وحين جاء الأيزيديون من الشيخان وسنجار ليعلموا متعهدين في نادي الموظفين اقترحوا ان يبقى الطاووس مضيئا كل العام وهم من يدفعون اجرة الكهرباء وتبديل المصابيح عندما تحترق.
 
10 / الاتحاد السوفيتي وصابئة المدينة
 
بنى السوفييت محطة الطاقة الحرارية في الناصرية وكانوا كل مساء ينزلون ليشتروا الذهب الإيطالي من سوق الصاغة .
ولأن للصابئة لسان معسول ، بعضهم يأخذ من الروسيات اجرته لتصليح سلسلة الذهب الايطالي ، يأخذها قبلة من الفم والبعض يأخذها وضعا ساخنا..!
 
11/ ( مقهى العمال )
 
كانت المقهى مواجهة لتمثال الحبوبي ، ولم ار عاملا يشرب الشاي فيها ، فأغلب روادها من المثقفين والمعلمين المنقولين الى الناصرية من مدن اخرى.
اشتغلت فيها عاملا وانا صبي بوساطة من اخت زوجة صاحبها ( أبو حنان ) .غني سعيد.
أجرتي ربع دينار .
أستلمه في الليل .وفي استراحة ظهيرة اليوم الثاني اذهب الى مكتبة المرحوم جبر غفوري لأشتري رواية لغوركي.
 
12/ ( ستوديو فليح )
 
هذا المخبئ السري للعاشقين ، متحف لأسرار لا تحصى . أجمل ما فيه كنا بعد السينما نذهب الى واجهة الاستديو نضع على وجوه الجميلات اللائي في التصاوير أسئلتنا :
لماذا كل واحدة في الصورة اصبعها على حنكها ، وعلى كل خد شامة اصطناعية؟
 
13/ ( دكتور عقيل )
 
الدكتور عقيل كريم اليعقوبي .الطالب الذكي جدا وابن محلة السيف .ذهب الى انكلترا وتخصص في القلب والباطنية وامراض السكر.
لكن عجائز المدينة ومنهم امي يعتقدن أنه قادر على شفاء كل مرض.
فأمي عندما توجعها قدميها تقول :خذوني الى دكتور عقيل .وكذلك عندما يصيب عينيها الجنيجل.
 
14 / ( كيمياء بدري عرب )
 
اغتيل الشهيد بدري عرب غدرا في بغداد ، ولكنها ابقى في المدينة طعما للكيمياء .
درسني في الاعدادية .
في الدرجة النهائية اخذت 45 ووجدتها في 50 في الشهادة .
سألته :لماذا ؟
قال :جارتنا شهد أم مهدي ماذا تقربُ لك ؟
قلت :عمتي اخت ابي .
ضحك وقال : هذه الخمس درجات من اجل جارتنا شهد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات