نشأ خلاف بسيط بين اثنين من سائقي مركبات النقل الخاص على الحيز المخصص لكل منهما في الكراج ووقت انطلاقهما منه ، وانطلقت كلمة من هنا، واخرى من هناك ، وشتيمة من هنا، واخرى من هناك فتوقع الموجودون أن يتشاجرا بالأيدي في اسوأ الاحوال، لكن ما لم يتوقعه احد هو انسحاب احدهما فجأة من ساحة المعركة ثم عودته اليها وهو يحمل سلاحا، وانطلاق الآخر بسرعة الريح إلى محل صديق له ليجلب سلاحاً مضاداً وتبدأ معركة حقيقية تشبه معارك افلام الكاوبوي لم يوقفها الا تدخل بعض الناس و “خواطر” البعض الاخر وكان ان حقنت الدماء وحسمت القضية لصالح الموجودين الذين لم يجدوا في مسألة الخلاف على الاماكن سبباً كافياً لإراقة الدماء سيما وان كلا المتشاجرين يسعيان إلى طلب الرزق الحلال.
وفي أماكن اخرى ، بدأ البعض يلجأ الى افراد الميليشيات ليساعدوهم على اخراج مستأجر من منزل لهم او استرداد ديون لهم لدى اشخاص يعجزون عن تسديدها حاليا بسبب الظروف ، ووسيلتهم في ذلك دون شك هو التهديد بالسلاح فبواسطته فرضوا هيبتهم وسطوتهم في مناطق عدة من العاصمة والمحافظات …
لقد ولى زمن الاستبداد حسبما تشير اليه تصريحات سياسيو اليوم وبدأ زمن الديمقراطية ومازال السلاح وسيلة “للتفاهم” وتسهيل امور الحياة في الوقت الذي لا نحتاج فيه إلى سلاح بل إلى قبس من النور داخل نفوسنا يضيء لنا الطريق الصائب ويرشدنا إلى الحياة..
في البيان الذي اطلقه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قبل ايام ردا على بيان السيد مقتدى الصدر باستمرار الاعتصامات قرب المنطقة الخضراء كانت هناك اتهامات وتهديدات واضحة رغم ان المالكي نفى
وجود عبارة (الرجال بالرجال والسلاح بالسلاح) لكن العبارات ليست هي مايهمنا فالتوتر في العلاقات بين الطرفين قائم لامحالة لكن مايهم هو طريقة التعبير عنها ..فاذا كانت التظاهرات والاعتصامات تستفز جهة ما فالتصريحات النارية ربما تستفز الجهة الاخرى ، وكلمة من هنا ، وكلمة من هناك ، وتصريح من هنا ، وتصريح من هناك ، وينتهي الأمر بالفريقين الى استخدام السلاح كما فعل باعة سائقو المركبات ..وعندها ، ربما لن تنفع تدخلات الآخرين او وساطاتهم فالأمر مصيري بالنسبة للفريقين ، وكما يدافع سائق المركبة عن مكان رزقه ، يدافع المسؤولون عن مصير مناصبهم ويسلكون في سبيل ذلك مختلف السبل ومنها السلاح الذي بدأوا يلوحون به منذ ان تناسلت ميليشياتهم وفرضت وجودها ..ووسط هذا الجو الانفعالي المشحون ، يضيع حق المواطن في العثور على خطاب سياسي واضح ورؤية مستقبلية مشرقة فكل الاحداث تجري في اجواء ضبابية وان اتضحت فالنتيجة تثير القلق والفزع مادامت تقوم على التهديد والوعيد والتعنت والتمسك بالمناصب ..أين المواطن في كل مايحدث بين الكتل السياسية ..ربما سيجد نفسه فجأة اداة ضاربة معها ويحمل السلاح رغما عنه ان لم يكن للدفاع عنها فلكي يدافع عن نفسه من بطشها ….