23 نوفمبر، 2024 12:43 ص
Search
Close this search box.

إنسحاب بوتين من سوريا:حسابات الأرباح والخسائر – 2

إنسحاب بوتين من سوريا:حسابات الأرباح والخسائر – 2

الشعب السوري هو الرابح الأول بالتأكيد، من الناحية الإنسانية البحتة على الأقل، قبل أي بُعد سياسي آخر، خصوصاً أنه لم يعد له دور في تحديد مصيره بعد أن أصبحت لغة الدم والبارود هي وسيلة التفاهم الوحيدة بين فرقاء النزاع المحلي والأجنبي الذين قدموا الى بلدهم من كل حَدَبٍ وصوب، وارتبطت قضيته بالمعادلات الإقليمية والدولية.لقد نقلت الكاميرات الهول والرعب اللذين تحدث بهما المواطنون السوريون عن الغارات الجوية والصاروخية الروسية، وكيف وجدوا أنفسهم مستهدفين بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل جحيم حقيقي، قياساً الى ما كانت تقوم به طائرات النظام قبل ذلك رغم قسوتها وشراستها.على مدى خمسة أشهر ونصف، قتلت الحملة الجوية والصاروخية الروسية، حسب الشبكة السورية لمراقبة حقوق الإنسان، ما لا يقل عن 4408 شخصاً، كان 1733 من المدنيين العزل، بينهم 429 طفلاً و250 إمرأة، بينما لم يتجاوز قتلى “الدولة الإسلامية” مثلاً 1183شخصاً، أي أن قتلى داعش لا يشكلون سوى ثلثي الضحايا المدنيين، وهي ارقام لا تختلف كثيراً عن أرقام العديد من المنظمات الدولية المعنية بالشأن السوري.نفس الشي يقال بالنسبة لخسائر لمقاومة الوطنية المسلحة التي فقدت حوالي 4000 من القرى والبلدات فضلاً على 10000 كيلومتر من الأرضي، وإن كانت لا تمثل سوى 5.3% من إجمالي مساحة البلد.علماً أن الهدف التكتيكي الأول للتدخل الروسي المباشر في حينه كان كسر تقدم المعارضة المسلحة في جبهة حلب، ثانِ أكبر المدن السورية، بعد عجز الأسد وحلفائه اللبنانيين والإيرانيين عن إيقافه، ومنع قطع الطريق الدولي 5، بين حلب ودمشق، والحفاظ عليه مفتوحاً لأهميته في إمداد الجيش السوري في المدينة بالتعزيزات العسكرية من الأسلحة والمعدات، وكذلك إحكام السيطرة على قاعدة كويرس الجوية وطرد قوات “الدولة الإسلامية” منها، شرقيَّ حلب، وقيل أن الكتيبة البحرية الروسية 810 شاركت في القتال حينها جنباً الى جنب مع الجيش السوري وقوات حزب الله اللبناني الخاصة يوم 24 أيلول 2015، أي قبل ستة أيام من بدأ الحملة الجوية المكثفة، لكنها -أي االحملة الروسية- عجزت في النهاية عن تمكين الجيش السوري وحلفاءه من إستعادة المدينة وإن كانت قد فرضت عليها طوقاً صارماً.الجانب السلبي الذي قد تخسر منه قوات المعارضة، ربما يكون في إحتمال تراجع وتراخي زخم الدعم العسكري من أصدقائها. لقد وصل استعداد هؤلاء الأصدقاء الى حد قيام السعودية بإرسال طائراتها الى تركيا تمهيداً لتدخل محتمل كثر الحديث عنه، بل انهم بحثوا إمكانية تزويد قوات المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات من نوع ستينغر الأمريكية، والتي يقول الخبراء العسكريون أنها أدت دوراً حاسماً في تقويض الإحتلال السوفيتي لأفغانستان إبّان ثمانينيات القرن الماضي، ولكن عزاؤهم في هذه الحالة قد يكون في حقيقة أن الإنسحاب سيؤدي الى تخفيف أثقال الضغط العسكري الذي كانت تتعرض له فعلاً، وربما تمكنت من إستعادة زمام المبادرة إذا فشلت مباحثات جنيف، ولا عبرة لتصريح بوتين اليوم (الجمعة) من أن قواته قادرة على العودة الى سوريا في غضون ساعات، الكل يعلم ذلك، ومثل هذا الإستعراض لمظاهر القوة التي لا يجهلها أحد، تخفي غالباً أعراضاً غير محمودة وتفضح حقيقة أن الرئيس الروسي ليس مرتاحا من سحب قواته بهذه الطريقة وأن هناك من او ما أجبره على ذلك.أما حلفاء المعارضة السورية فربما كانت هذه النهاية الدراماتيكية لمغامرة بوتين حلماً ليس إلّا، قبل أن يعلن عنها. فبعد الحديث عن إستعداد روسيا لخوض الحرب العالمية الثالثة في سوريا وتلويح بوتين بإمكانية إستخدام ترسانته النووية كما نُقل عنه أثناء لقاء مع وزير دفاعه أواخر العام الماضي، أنه قال:”الثابت حتى الآن أننا لا نحتاج رؤوسا نووية في الحرب على الإرهاب، وأرجو ألا نضطر إلى ذلك قريبا”، بعد كل ذلك صحا خصوم الرئيس السوري من الكابوس الروسي ليروا مؤخرة غريمهم السوري بشار الأسد قد انكشفت للهواء الطلق، وأن الدب السايبيري يولّي هارباً تلاحقة لعنة الدم.إذا كان هؤلاء هم فريق الرابح الأول (الشعب السوري، المقاومة الوطنية المسلحة، خصوم الرئيس السوري)، فإن الرابح الأكبر بلا شك هو إسرائيل. عندما بدأ بوتين حملته في سوريا كان “النتن ياهو”، رئيس وزراء إسرائيل أول مسؤول أجنبي يقابله بوتين ويتوصل معه الى ترتيبات وآليات تنسيق مكَّنت الجيش الإسرائيلي لاحقاً من توجيه ضربات نوعية الى قواعد للنظام السوري واستهداف مثابات لحزب الله اللبناني وقوافل نشاطاته اللوجستية من والى سوريا ، ورصد تحركاته أول بأول لكي ينحصر دوره كأجير مقاتل ضد خصوم النظام السوري دون أن تتهيأ له أية فرصة لتعزيز قدراته في لبنان أو الجولان من خلال الأزمة السورية.وليس من قبيل الصدفة بتاتاً أن يكون الرئيس الإسرائيلي ، رؤوفين ريفلين، أول ضيف على موسكو بعد الإنسحاب يوم الأربعاء 16 آذار 2016، لغرض “بحث وضع وآفاق العلاقات الثنائية في مجال التجارة والاقتصاد والمجالين العلمي-التقني والإنساني”، حسب المكتب الصحفي للكرملين”، أما بوتين نفسه فقد صرح في نفس اليوم أنه يعتزم الاجتماع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قريبًا ، لمناقشة القضايا الأمنية في الشرق الأوسط، وبكلمات أخرى تغيرت المعادلة التقليدية التاريخية في المنطقة : أمريكا مع إسرائيل والإتحاد السوفيتي (روسيا حالياً) مع العرب، لتصبح معادلة من طرف واحد: أمريكا وروسيا مع إسرائيل، و”نامت” أعين أبطال المقاومة.هذه الواقع التراجيدي ينعش فكرة أن التدخل الروسي الذي بدأ فجأةً وانتهى فجأةً في سوريا، ليس سوى مؤامرة خبيثة اتفق عليها بوتين وأوباما مع “النتن ياهو” لإسقاطنا، وكأننا لا زلنا -يا خَيْ -فوق الشجرة!!

[email protected]‪‬ 

أحدث المقالات

أحدث المقالات