25 نوفمبر، 2024 7:42 م
Search
Close this search box.

لماذا الايغال الممل في النقاش الديني وترك الجوانب الأهم

لماذا الايغال الممل في النقاش الديني وترك الجوانب الأهم

لست وحدي الذي يسأل نفسه مثل هذا السؤال كلما تصفحت المواقع لأجد الكم المخيف من هذا الايغال , الكثيرون سبق وسألوه قبلي وبنوا على بعض الاجابات الغير المقنعه مواقفا اكثر اصرارا ورغبة في الوصول الى الاجابه من اصحابها المعنيين.
و لكي لا يـُفســَر استخدامنا لعبارة “الايغال الممل” في غير محله, فالمقصود لارابط يربطه بقبول او رفض عقيده معينه دون اخرى أو بالتدخل في خيار المُعتقِد فهو حر فيما يؤمن به , بدليل ان من بين ملايين المؤمنين و من مختلف الاديان يوجد مثقفون داركون يمكن تمييزهم عن غيرهم من خلال ممارساتهم واهتماماتهم لذا لابد ان نستثنيهم من ظاهرة الايغال الممل , إذ قلما يدعهم ادراكهم إظهار او تغليب ولعهم الديني بالطريقه الممله التي نشهدها لدى البعض( المثقف المتدين) وقد اخذت حيزا غير طبيعيا من مساحة تفكيرهم .
جدير بنا هنا ان نؤكد بان فكرة مقالنا الاعتراضيه, لا تتعدى حدود ابداء رأي ٍ في ظرف استثنائي قاهر يستدعي المثقف الى تناول ما هو متعلق بوجود الانسان وليس بمعتقده ومذهبه , فحين يتعرض وجود هذا الانسان الى تهديد , لا أعتقد بان مشروخة اثارات الفارق المذهبي او الديني وحتى القومي ستسعفه او تشفعه بشئ, وفكرتنا هذه لم نبنيها حصريا على قاعدة او محصلة مقارنه شعوب الغرب المتحضر مع شعوب شرقنا الاوسطي الناميه والتي بات وصفها بالمتخلفه اقرب الى حقيقتها , فهي في وصفها بالمتخلفه لاتنفي وجود حالات ايمانيه دينيه (مثقفه) كما اشرنا اعلاه , وهي حره إن كانت لا تجد ضيرا في ايمانها بديانتها( الموروثه ) وفي التزامها بشعائرها و احترام ديانات الاخرين وقيمها وطقوسها الموروثة ايضا ,مثل هذه الحاله يمكن اعتبارها من الحالات الايمانيه الهادئه والحميده , لكن ان يسمح المثقف المدني لنفسه بامتطاء صهوة الاختلاف الديني او المذهبي للايغال الممل والعبثي في مناقشته وفرض خوضه صراعا مفتعلا يوصل الطرفين الى حال القطيعه والعداء , يصبح السؤال هنا اين بات محل مصطلح المثقف من الاعراب وقد غمسته ثقافته حيث لا يحسده احد لتبعده عن صلب وصميم اهتمامات حياة الانسان العصري , وهنا اقصد بالعصري انسان المجتمع الغربي الذي لم يتحضر الا بعد تجريد المؤسسه الدينيه من سلطاتها المدنيه .
حديثنا الذي يقتصر حول المثقف المدني المتدين والمتمذهب خاصة ,بغض النظر عن مدى صحة و جواز اطلاق هذه التسميه التي يقابلها تسمية الديني المثقف اي رجل الدين المختص , التسميتان لهما ما يجيز استخدامهما مع فارق تادية المهمه التي تحددها درجة التخصص , فعندما نتكلم عن الكاهن (الديني المثقف) على سبيل المثال , نعرف مسبقا بانه قد اكتسب درجة اختصاصيه كحصيلة تعلمه وتثقفه في مدارس ومعاهد او كليات مختصه بالمقدس الديني وفلسفة اللاهوت الروحي والتي بحكم حقل مادتها التدريسيه تضع للدارس حدود لحرية تعاطيه مع مجالات الحياة الاخرى , فهي شئنا ام ابينا تضيق من فسحة تفكيره وممارساته في شؤون ومستلزمات الحياة المدنيه , بخلافه يتمتع المثقف المدني المؤمن بمجال اوسع وحريه أوفر للتفكير والممارسه .
من خلال هذا التمييز بين الاثنين ,ستسهل علينا بلا شك معرفة مهمة كل واحد منهما في مجتمعه , ولكن علينا ان لا ننسى بأن كليهما الديني المثقف(الاختصاصي اللاهوتي) و المثقف الديني( المدني) لم يختارا معتقدهما ودينهما بانفسهما كما هو الحال في المجتمعات الغربيه , انما اكتسباه بالتوريث من الابوين منذ الولاده , واستمرا عليه مع سنين حياتهم ,أحدهما(الكاهن)توجه الى نذر نفسه ( ايضا قبل اكتمال سن نضوجه) للانخراط في مدارس اللاهوت والتعمق في فلسفته ليصبح قسيسا, بينما المثقف الديني المدني اختارلنفسه طريقا اخر في اكمال مشوار حياته ما بين المدنيه والدينيه. وعندما نقول بان المثقف المدني المتدين قد ورث عقيدته منذ طفولته , يعني لم يختارها في سن النضوج , اذن كلاهما ( المؤمن وعقيدته) لم يحظيا بعقد فكري او روحي متكامل ومتوازن من حيث أهلية ونضوج عقلية المؤمن كي يقتنع فكريا بصواب المعتقد قبل اعلان الايمان به .
لو قسنا في كلامنا بمقياس المفاهيم والنظريات الماديه والفلسفيه التي استطاعت بواسطتها بعض المجتمعات ان تنجح في بناء أنظمه سياسيه مدنيه /ثقافيه اجتماعيه متنوعه , فقد اثبتت قدرتها على صياغة دساتيرو قوانين تحمي الانسان وتحفظ له حق وحرية اعتناق الفكر والعقيده التي يراها مناسبه له ,لا نجد اي ذكر في هذه القوانين والدساتير لشيئ اسمه دفاع عن الرب او عن شيئ اسمه نص مقدس او مذهب وما شابه , اذن بحسب معاييرهذه القواعد والنظريات الناجحه لا يمكننا ان نصف ظاهرة إيغال المثقف المدني في المناقشات الدينيه وترك الامور المهمه الاخرى , ســـوى كونها ظاهره مثيره للجدل, واعتبارها نتيجه لحالة ضعف فكري تناقلناه مثلما توراثنا المعتقد . والا كيف يُعقل تأييدنا للقائل بان الاخر من الدين او المذهب المغاير لو حاول انتقاد ديني او مذهبي, سيضطرني الى الطعن بمذهبه ودينه دفاعا عن معتقدي , في حين كلاهما يحفر قبره بنفسه بسبب هذا الضعف الفكري الذي تناقلناه , وهو يقودنا في نفس الوقت الى الشك في فهم الاثنين وإدراكهما لاسباب ظهور الاديان ثم تشرذمها الى مذاهب وملل.
الكثير من امور حياتنا اليوميه تصاب بالعقم والرتابه لو بقيت كما هي من دون تجديد وتحديث , وقد يسعى البعض فينا متعمدا لإبقائها كماهي على حساب اذواق و متطلبات الحياة العصريه المتجدده , إما اعتزازا بصانعيها أو خوفا من تبعات انتهاك قدسيتها كأن تكون قدسية النص الكتابي المقدس الذي مر على كتابته الف او الفان عام , لا بل هناك من بين مثقفي الاديان من يريد جعل الكتاب المقدس دستورا صالحا او مصدرا لتشريع الدساتير, وهل من عقلية راشده تقبل بمثل هذا الطرح السقيم ونحن في القرن الحادي والعشرين والامم الديمقراطيه المتحضره تبحث عما يعزز تآلف البشر عبر الغاء الحواجز التي تميز بين هذا وذاك !!
بحسب معرفتي المتواضعه , تعلمت بان لمصطلح المثقف معاني ودلالات يجب ان تميزه عن غيره معرفيا ومسؤولية ً, والا كنا اسمينا كل البشر مثقفون او كلهم جهلاء , من مزايا الانسان المثقف هي تميزه عن غيره بقدرة المطالبه بالتجديد والتحديث طبقا لما تتطلبه رفاهية الانسان وسعادته بحسب مفهوم انسان اليوم وليس كما يحكى لنا عنها قبل قرون مضت , وهنا يمكن إثارة التساؤل الاتي: الى اي مدى يمكن للنص الديني المقدس ان يتحمل جهد المثقف المدني المؤمن الراغب في التجديد والتحديث؟ طبعا سيتبع ذلك تساؤل اخر على سبيل المثال, بماذا ولماذا وكيف يمكن تحقيق التجديد؟ بالتأكيد الاجابات لمن يود الاطلاع عليها موجوده في سير المفكرين والفلاسفه الذين قادوا صفحات النهضه الاوربيه الفكريه والثقافيه.
نحن في كل ساعه وكل يوم نقول بان التديّن الصحيح والايمان النظيف بالعقيده (الالهيه) يجب ان يكون على شكل علاقه شخصيه وروحيه مع الله فقط , ولو افترضنا مثلا ان احدهم احتاج الى وسيط يرشده لترتيب هذه العلاقه, ما العمل في هذه الحاله ؟ باعتقادي الملاذ المقسوم لمثل هذا المؤمن يكون بالرجوع الى النص الديني الزاخر بمفردات جذابه وتعابير مواعظيه من قبيل الوحي والملائكة والاعاجيب والانبياء والوصايا والحلال والحرام, المقسوم هذا سيكون في كل الاحوال أفضل بكثير من ان يستمع لمن يجتهد ويجاهد ويستثقف ليتثقف غيره بافضلية التفسيرالمذهبي الفلاني على تفاسير من سبقوه او الذين من بعده كي يرسم و يصوغ العلاقه مع الله بالسجيه التي فرخت لنا المذاهب والمجاميع والملل والنحل التي تتصارع وتتقاطع وتذبح , لعمري تلك ليس رغبة الخالق الذي نبتهل اليه , بل تتناقض مع الاعتقاد الديني السائد بان حجم وقدر العقل الذي نتمتع به هو هبه محسوبه أعطاها الخالق للمخلوق كل وحصته منها كي يبحث عن المفيد له في حياته الدنيا وهكذا الآخره.
الانسان ورايه من وراء القصد

أحدث المقالات

أحدث المقالات