((رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي))
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))
البقرة 143
الانسان في حركته الدنيوية يسير باتجاهات فكرية معينة خاضعة للمجتمع الذي يعيش فيه وللظروف البيئية المحيطة به مما يفرض عليه السير بخط فكري معين يستتبع التخلق باخلاقيات معينة تلائم ذلك الخط ولذلك نلاحظ وجود تشابه كبير جداً بين اتباع الخط الواحد بحيث يتعدى مرحلة التشابه الى مرحلة التساوي الذي فيه لا نفرق بين فرد وفرد وهذه تعتبر من المشاكل الاجتماعية التي اصبحنا نعاني منها في عصرنا الراهن وذلك لما يتبع هذا الامر من آثار سلبية على المجتمع وعلى راسها مسألة التخندق حيث نرى اتباع الخط المعين يتخندقون في اي خندق يتم حفره لهم من قبل القيادة، الامر الذي يؤثر سلبياً على المجتمع بصورة عامة.
عندما خلق الله سبحانه وتعالى الانسان زوده بكافة الامكانيات اللازمة لكي يكون منتج ومبدع في مجتمعه حيث زود بمملكة من الحواس والاجهزة الحيوية القادرة على التحرك في الظروف المختلفة للحياة وكان منصب الملك من حصة (العقل) حيث ان الباري عز وجل اوكل الى العقل التحكم بكل ما يصدر عن الانسان حتى مسألة العاطفة فهي تمر من خلال العقل اذ ان العاطفة الغير معقولة لا يمكن ان تؤثر شيئاً في الانسان حيث نرى ان مقدار التفاعل مع العواطف مختلف من شخص لآخر تبعاً لمستوى العقلية التي يعيشها هذا الشخص.
عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) قال: ((ان هذه القلوب اوعية فخيرها أوعاها))
والمستوى العقلي للانسان يخضع لعدة مؤثرات منها:
1. المعرفة الاسلامية.
2. المعرفة الاكاديمية.
3. المعرفة التجريبية.
المعرفة الاسلامية:
ان من اول القوانين التي تحكم عقلية الانسان المسلم هو مقدار معرفته بدينه حيث يجب ان يمتلك معرفة بالله تعالى والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به وهذه المعرفة يجب ان يقوم الفرد نفسه بالبحث عنها واكتساب العلوم فيها بحيث يصل الى مرحلة الادراك الحقيقي لهذه السلسلة المباركة المتمثلة بالرسالة الحقة التي جاءتنا من خلال النبي الاكرم الذي مثل القناة الالهية لتوعية الناس نحو الحق، وهذا الحق حسب العقل والمنطق والنص يجب ان يكون واحد ((اهدنا الصراط المستقيم)) مهما تعددت طرق الوصول اليه لكنها يلتقي في كونه من الله وفي الله والى الله.
المعرفة الاكاديمية:
بلا شك ان العلوم الاكاديمية فرضت نفسها على الواقع في العصر الحديث وذلك بسبب الانفتاح العلمي الذي حصل مع الغرب والذي حتم علينا السعي لاكتساب مختلف المعارف الاكاديمية لغرض مواكبة التطور الذي يسير بخطى واسعة في العالم، ولا بد من الاشارة الى ان العامل الاول (المعرفة الاسلامية) يحث على الاجتهاد في طلب العامل الثاني (المعرفة الاكاديمية) حتى يتمكن المسلم من تأدية الواجبات الاسلامية الملقاة على عاتقه بكفاءة وقدرة ابداعية انتاجية غير متكلة استهلاكية.
المعرفة التجريبة:
لا يختلف اثنان على ان الادراك الحسي للامور هو ما يطبع في داخل العقل ولا يمكن نسيانه بسهولة الا اذا اراد الانسان ان يتغافل عن حقائق معينة ويطمسها، حيث ان الانسان المجرب يتفاعل مع الاحداث التي يمر بها بمستوى عالي جداً خلاف الذي ينقل له الحدث ولذلك قيل (أسأل مجرب ولا تسأل حكيم) لان صاحب التجربة هو الادرى بحيثيات الموضوع وذلك لان التجارب الانسانية تختلف عن التجارب العلمية من حيث عدم ثبات الظروف التي تخضع لها التجارب الانسانية بينما يمكن السيطرة على ظروف التجارب العلمية، هذا على الرغم وجود افضلية لمن اتعض بتجارب غيره على صاحب التجربة نفسه كونه حصل على الخبرة مجاناً على ان يصل بنفسه الى حالة (الاحساس التجريبي) بحث يكون مستوعباً كل تفاصيل الموضوع رغم كونه خارجه والافضلية هنا فقط من حيث اكتسابه للخبرة بدون الخضوع للضغوطات التي تفرضها التجربة على شخص المجرب.
التوازن الفكري:
بعدما قمنا باستعراض بسيط للعوامل المؤثرة على مستوى الادراك العقلي لدى الانسان يجب ان ننتقل الى القضية الجوهرية في الموضوع وهي مسألة التوازن الفكري الذي يمثل بالنسبة لي (هدف اجتماعي) وليس حلماً رغم صعوبة ايجاد حالة فكرية متوازنة في المجتمع بسبب الضغوطات العصبية والنفسية التي يلقيها الواقع اليوم على كاهل الانسان وكذلك بسبب التغيرات الاجتماعية المتسارعة التي تطرأ علينا ولكن يبقى الانسان المسلم المؤمن المتفكر يمتلك الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الحالة وهذه الوسائل نابعة من ادبياته وما يؤمن به.
ان حالة التخلخل الفكري تحصل في الاعم الاغلب على مستوى الفكر الاسلامي وذلك بسبب تنوع القنوات التي وصل الفكر الاسلامي الينا من خلالها والظروف التي احاطت بالمسلم التي هيأت له الينبوع الذي ينهل منه، وذلك لكون العلوم الاكاديمة ثابتة الحقائق والقوانين (1 + 1 = 2) وكذلك التجارب الحياتية تصل بالانسان الى حقائق ثابتة في الحالة التي تتحقق فيها نفس ظروف التجربة، اما فيما يخص الفكر الاسلامي فالامر أختلف مع الاسف بسبب اختلاف المدارس الفكرية الاسلامية وتنوع الاجتهادات سواءا في النصوص القرآنية الكريمة او النصوص النبوية الشريفة وفي بعض الاحيان تكون الاجتهادات في مقابل النصوص مع وجود حرب مكثفة على المسلمين من قديم الزمان حاولت جهد الإمكان التأثير على المنظومة الثقافية للمسلم وتضليله وحرفه من خلال دس السموم الفكرية، وكثر من حاول التغيير والاصلاح في القضايا الاسلامية ولكنه مع الاسف يواجه بالرفض القاطع من قبل المؤسسات الدينية المسيطرة على الواقع الديني للمسلم حتى بدأت المشكلة تتفاقم وبدأ الورم ينتشر في الجسد الاسلامي شيئأ فشيئأ وتظهر اعراضه بين فترة واخرى عن طريق صراع طائفي هناك، تسقيط شخصية هناك، تهجمات، تكتلات، وايضاً شهدنا انفتاح مفرط من قبل بعض مفكري الاصلاح الاسلامي حتى وقعوا هم ايضاً في نفس الخلل الذي وقع فيه المتشددون الاسلاميون وهو (التطرف) الذي يعني عدم الوسطية وعدم التوازن والاتجاه نحو طرف من الاطراف وكان السبب الرئيسي لذلك هو وقوع بعض المصلحين في فخ (الفعل ورد الفعل) بعدما واجهوا من رفض وتحدي من قبل بعض المتشددين المتمسكين بالخطوط القديمة التي تمثل بالنسبة لهم ثوابت الى يوم القيام رغم عدم جدواها في معالجة مشكلة الانسان اليوم.
ادعوا الله ان تكون هنالك اطروحات تعمق الموضوع من قبل السادة الكتاب والمفكرين لانني ارى ان موضوع التوازن على مستوى عالي جدا من الاهمية ويكاد يكون ابرز خلل اجتماعي يمكن تحديده حالياً وهو مطلوب في كافة مجالات الحياة التي يريد ان يبنيها الانسان على المستوى الفكري والروحي والاجتماعي والسياسي وغيرها من المستويات الحيوية، كما ادعوا الباري جل وعلا ان يجعل هذا المقال البسيط فاتحة خير لمزيد من المقالات حول التوازن ويوفقنا للمزيد فان رفعة الاسلام وصلاح المجتمع ُجل ما نريد.
((الهي وملجئي الدائم علمني كيف احيا اما كيف اموت فإني سأعلمه))