طالت قبل ايام قلائل مدينة الحلة تفجير ارهابي دموي بشع ، ذهب ضحيته العشرات من الشهداء والجرحى من اهلنا في الحلة ، سبقتها تفجيرات دموية مماثلة في العاصمة بغداد ، وعاد من جديد مسلسل التفجيرات الارهابية بهدف زعزعة الأمن وزرع الفتنة واشاعة الخراب في ربوع البلاد.
كثيرة هي التفجيرات الأرهابية الدموية التي تعرضت لها هذه المدينة الجريحة على مرّ الاعوام . ولعلها من اكثر المدن العراقية تعرضا للهجمات . والمعروف ان الحلة مركز المحافظة المعروف بأسمها. وهي تبعد عن العاصمة بغداد بما يقرب من مائة كيلومتر او اكثر بقليل.
لا يكفي الحديث واطالته من دون مبرر عن بشاعة ما يرتكب ضد المواطنين الابرياء ومحنتهم فالامر بات معروفاً مع الاسف الشديد لكن طبيعة الحقائق الواقعية تضعنا امام حزمة من التساؤلات التي من المفيد وعي اشاراتها ودلالاتها. اولها ، لماذا وصلنا الى هذا الوضع المتردي الخطير؟! ولماذا يزداد سوءاً ، بدلا من ان يتحسن؟! .
وثانيها ، ماهي مسؤولية الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية أزاء هذه المجازر العلنية التي ترتكب بحق المواطنين الابرياء . هل ان ما حصل كان
بسبب ذكاء وقوة وامكانيات قوى الارهاب المتحالفة من ارهابيين ومتطرفين وبقايا ارهاب الدولة ؟ ام ان هناك قصوراً وعجزاً ذاتيا وثغرات كبيرة واقعية على صعيد الاداء والممارسة.
وبطبيعة حقائق الامور وتفسيرها ، فان وضعا كهذا يجعلنا امام جملة من تفسيرات وآراء وتبريرات ، تدور في دائرة مصالح محددة من دون ان تغيب شمس الحقيقية.
بعض الاراء ، تلقي اللوم والمسؤولية كلها على قوى الارهاب ، من دون الالتفات الى الاوضاع الداخلية ، وما يعتريها من عجز وقصور ذاتي ونواقص واخطاء فادحة.
بعضها الاخر، يرى العلة في الداخل أكثر من أي مكان آخر، وهي ما تقتضي لفت الانظار اليها ، لمعرفة وتشخيص العلل ونواحي الخلل ، والبحث عن الخلل الذاتي الذي يأتي في مقدمتها ، وهذا الأمور لا يمكن حصرها في حالة الارهاب او القدرات الامنية وكفاءة اجهزتها فقط ، وانما يتعداه الى سائر العوامل الاساسية الاخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكلها متداخلة ومؤثرة في صناعة الذات والواقع .
تداخل آفاتنا الاقتصادية والاجتماعية ومشكلاتها الطافية على السطح ، تؤثر في سلامة البناء الاجتماعي ، فالفقر والبطالة التي زادت نسبها عن 40%
بحسب الاحصاءات الدولية ، هي مؤشر خطير بمنظوراته الاجتماعية والأمنية ، لانها تخلق بيئة مناسبة لتفريخ وتكاثر عناصر النهب والسلب والتخريبات ، فضلا عن انتشار امراض اخرى بين الشباب خاصة حاضنها الفقر والتخلف .
سبات عملية التنمية الاقتصادية والبشرية ، وضياع حساباتها من بال الحكومة الاتحادية ووزاراتها المختلفة ، التي هي جزء كبير من المشكلة بدل الحل مثلما ينبغي بارقام الفساد المتصاعد ونتائجه ، فاقم الاوضاع سوءاً واشاع اجواء اليأس والقنوط ، وتلاحمها مع اشكال الفقر والفاقة أنتج ظواهر أشد تعقيداً وصعوبة وهو مكمن الخطر الاكبر.
وبطبيعة حقائق الامور والتفسير، فان وضع كهذا ، تغيب عنه المنهجية المنظمة للدول واسلوب ادارتها ، يجعلنا امام جملة تفسيرات وتبريرات تدور في دائرة تعكس مصلحة محددة ، من دون ان تغيب شمس الحقيقة.
طوال سنوات ليس في البلاد مشاريع سوى دعوات سياسية وشعارات مصلحية وفساد اكل الاخضر واليابس ، وجّر الناس لمشاهدة مسرحية هي الاكثر بؤسا وفقرا في تاريخنا المعاصر، حيث أستوجب طبيعة الفساد المستشري صرف الانظار، بوسائل استلاب النظر والعاطفة من خلال خلق أوهام وكيل الاتهامات واقحام الناس في فلسفة عداء لا فائدة للمجتمع من ورائها أو نفع.
ان معالجة اشكال الفقر، يتم برفع المستوى العيشي للمواطنين ، وهو شرط اساسي للبناء الانساني ، الذي يشكل اساس البنى الاخرى ، فضلا على اهمية التأكيد على نهج الاعتدال ونبذ ثقافة التطرف في كل محفل ، لمنح الحصانة عن اشكال التطرف بكل توجهاته القومية والدينة والمذهبية . وعلى المحرومين من اية قومية او دين او مذهب او انتماء سياسي ، ان يعيدوا حساباتهم الف مرة بحساب العاقبة ، قبل ان يقبلوا على تأييد ومناصرة قادتهم وزعمائهم في أية سياسة متطرفة ، خاصة التي تفتقد الى اسس موجبة ، وعليهم التوقف والتأمل كثيرا ازاء اية حالة متشددة من التعصب والتطرف الأعمى ، وان يسألوا انفسهم عن الاسباب الكامنة وراءها والنتائج والتداعيات التي تنطوي عليها، بدلا من التثوير والعاطفة المفتقرة للعقلانية.
من حق المجتمع العراقي ان يرفع صوته للمطالبة بمحاسبة المسؤولين الفاشلين، الذين لا يصونون حياته ولا يفكرون بمستقبله.
أن أصلاح الاوضاع الفاسدة، يتطلب محولا تاريخياً يغوص في الاعماق لاقتلاع الجذور، وتلك المحاولة التاريخية تتطلب الجرأة والاقدام، فالتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، يتناقض مع المصالح الانانية الجشعة ذات الطموحات الخاصة، التي تتسلق من خلال مواقع الدولة، والأمزجة والاهواء لانها الضد النوعي والتاريخي للتغيير الايجابي.
لم يعد اليوم يكفي لاستظهار الحقائق وحسب ، ومن ثم الندب والبكاء على الاطلال ، فان خرائب البيان قائمة وهشه وقد يتحول الى دارس واطلال اذ لم يتم تدارك الامور بروية وعقل وحكمة ونعرف مسار الدرب وأتجاهه.