لكي تتحقق الديمقراطية كسلوك إيجابي مثمر , وتترسخ في وعي الأجيال على أنها مطلب حضاري وإنساني يتمسك بثوابته المتصلة بحقوق الإنسان وحريته وكرامته , عليها أن تجيب على سؤال : كيف تتوفر لقمة العيش للناس في دولها أو مجتمعاتها؟
فما هي كرامة وحرية الإنسان المرهون بلقمة العيش؟
وفي العديد من المجتمعات المتوهمة بالديمقراطية تحولت الحياة إلى مأزق أمني وإحتياجاتي , وأصبحت أراضيها مسارح للفوضى بأنواعها ودرجاتها , وميادين لتدخلات القوى المتحركة المتحفزة في الأرض.
والعلة في فقدان الوعي الديمقراطي لدى القائمين على الحكم فيها , وبسبب جهلهم لمرتكزات الديمقراطية , تحوّلت مفاهيمها إلى منطلقات طوباوية ومفردات تسويغية للفساد والخراب والدمار , وترويع العباد وتجويعهم وقهرهم بالويلات والرعب المقيم.
فما أن إنطلقت أبواق الديمقراطية , حتى توهم الجميع بأنها صناديق إنتخابات وأصابع ملونة , وحرية مطلقة للتعبير عن الأحقاد والنوازع الشريرة , الكامنة في الأعماق المدجنة بآلة التضليل والخداع والإعماء الوخيم.
ووفقا لهذه الرؤى الرغباوية المنحرفة المغفلة , تم إهمال القيمة الإقتصادية وأهمية العمل والإنتاج والبناء , والتفاعل الإيجابي مع جميع المفردات وتحويلها إلى طاقات ذات مردود ربحي وإستثماري , يساهم في تطوير العمل وتنمية فرصه وقدراته وخبراته.
فالدول المدعية بالديمقراطية تمارس جهلها بإهمال الزراعة والصناعة , وتعتمد على غيرها في إطعام نفسها وتلبية حاجاتها , وخصوصا النفطية منها , التي عطلت الإنسان وقهرته وحسبت القوة في النفط وما يأتيها به من ثروات.
ولهذا فأن هذه الدول قد دخلت في متاهات , وإنزلقت في مطبّات وحفر لا مخرج منها , إلا بإستنزافها وإقعادها كسيحة مرتهنة بإرادة الآخرين من حولها , أي أن الديمقراطية تم تسخيرها لإستعباد الشعوب , ومصادرة سيادتهم وحقوقهم وتشريدهم , حتى أصبحوا سبايا وبضائع تتاجر بنفسها , بإرادتها المقهورة المستلبة الساعية لبعض أمل وحياة.
فالديمقراطية لا يمكن القول بها والحديث عنها بغير لغة الإقتصاد والعمل والإنتاج , لأنهاة تتناسب طرديا مع الإقتصاد , فلا ديمقراطية في مجتمع مقعد إقتصاديا , ومعطل إنتاجيا , ولا يستطيع إطعام نفسه والإسهام بسد بعض إحتياجاته.
ومن هنا فأن جوهر المشاكل والتداعيات يكمن في إضظراب بوصلة الديمقراطية وإنحرافها , ولكي تتحقق الحياة المتفقة مع حقوق الإنسان , لا بد من الوعي الإقتصادي والتفاعل البنّاء ما بين أبناء المجتمع , والإجتهاد في العمل وتنمية الإقتصاد , وإشغال الناس بالبناء , والنأي عن نشاطات الخراب
والإعطاب والتعطيل والتهميش , وليسعى كل إنسان لإبتكار فرصة عمل في مجتمع يسعى للنهوض والتقدم المتواصل والنماء.
فالديمقراطية أن تلد وتتوالد لا أن تنعقم إقتصاديا , وتنتحر سلوكيا!!