من منظور إيراني .. مستقبل التطورات العراقية من التقسيم إلى الوحدة

من منظور إيراني .. مستقبل التطورات العراقية من التقسيم إلى الوحدة

كتب – محمد بناية :

بعد تنامي أنشطة “داعش” وانتشارها في العراق، وقعت الكثير من المحافظات (نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالي) تحت احتلال تنظيم داعش.. وقد تابعنا نجاحات التنظيم الإرهابي تنتشر بسرعة البرق، بمجرد الإعلان عن تأسيس الخلافة الإسلامية في 29 حزيران/يونيو 2014. وعقب هذه العمليات وانطلاقاً من الهدف الرئيس للتنظيم الذي يتبنى معتقدات ايديولوجية ناهيك عن تاريخ التنظيم في العراق، فقد أعلن “أبو بكر البغدادي” وجوب الهجرة إلى العراق، الأمر الذي استدعى لفت انتباه المجتمع الدولي أكثر من ذي قبل إلى مصير العراق ونمو داعش. هذا ما أكدته “شبكة دراسات السياسات العامة” التابعة لرئاسة الجمهورية الإيرانية في أحدث تقاريرها المنشورة مؤخراً، موردة عدداً من الأسباب الداخلية والخارجية المختلفة التي رأتها الشبكة بانها ساعدت تنظيم داعش في النمو داخل العراق، وللتعرف على آفاق العراق المستقبلية يجب بيان العوامل المنتجة للوضع الراهن ومنها:

1 – تقصير “نوري المالكي” في احتواء أهل السنة بالعراق.. وهو ما ترتب عليه اضعاف النسيج الوطني، لدرجة أن مجلس “محافظة ديالي” أعلن في كانون أول/ديسمبر 2011 تطبيق الحكم الذاتي في المحافظة. الأمر نفسه كان قد حدث في “محافظة صلاح الدين” استناداً للمادة 119 من الدستور العراقي. من ناحية أخرى لم يكن تعامل “المالكي” مع المعارضة احترافي حتى أنه ادعى أن “قتلة الحسين” من بين أفراد المعارضة.

2 – استياء أهل السنة نتيجة الانتخابات البرلمانية في آذار/مارس 2010.. والذي ترتب عليه انشقاق أهل السنة، حتى أن عناصر “صحوة أهل السنة” التي نجحت عام 2007 في الصمود أمام القاعدة قد ألتزمت الصمت آنذاك أو انضمت إلى صفوف المناهضين للحكومة، وكانت النتيجة سهولة اختراق الحدود ونجح الإرهابيون في فتح الكثير من قنوات الاتصال.

3 – الفساد المستشري في الحكومة العراقية.. وكذا أدى الانقسام داخل الجيش إلى المزيد من الهزائم المتوالية في الحرب على داعش.

ورغم ذلك هيأت المساعدات الإيرانية والدولية للحكومة العراقية من جهة، وفتوى “السيستاني” من جهة أخرى المجال أمام تشكيل قوات شعبية عُرفت باسم “الحشد الشعبي” تقاتل ضد داعش. وبعد تغيير الحكومة العراقية في آب/أغسطس 2014، ازداد التواصل بين بغداد وقيادات العشائر السنية، وأعلن الكثير منهم الاستعداد للقتال ضد الإرهابيين التكفيرين. ورغم المخاوف من الطائفية والمذهبية لكن في النهاية تم تحرير الكثير من المناطق المختلفة. وبدأت المرحلة الأولى من تحرير الموصل في 17 تشرين أول/أكتوبر 2016، والتي تكللت بالنجاح، إذ اكتملت حلقة الحصار وتحرير النواحي من الموصل. وبدأت المرحلة الثانية بتاريخ 29 كانون أول/ديسمبر 2016، من خمس جهات مع التركيز على المناطق الشرقية. ولم يكن من المتوقع تحرير المناطق المحددة في وقت قصير وعمليات محدودة، حيث كانت لاتزال كل عوامل ظهور التنظيم قائمة لكن بشكل عام حال استمرار شراكة الجماعات المختلفة المناوئة للتنظيم، فسوف تحقق في القريب العاجل الكثير من النجاحات ضد داعش. في غضون ذلك لا يبدو الحديث عن مصير العراق في “مرحلة ما بعد داعش” سهلاً، وثمة الكثير من السيناريوهات المختلفة بهذا الصدد منها..

الأول: تشكيل حكومة متعددة الأعراق..

لم يحدث انتقال سلمي للسلطة في تاريخ العراق.. وعليه تمتزج الثقافة السياسية العراقية بالديكتاتورية والاستبداد.. من ناحية أخرى وكما أسلفنا لن تتشكل حكومة شعبية في هذا البلد طالما ساد الانقسام الداخلي وكانت التوجهات القومية والمذهبية أقوى من مكونات الهوية الأخرى بما يؤثر بشكل مباشر على السلوك السياسي للتيارات المختلفة. وعليه وانطلاقاً من قدرة الحكومة العراقية بشأن التغلب على هذه التحديات، فالأمل معقود على تشكيل حكومة تعددية عبر التناغم الوطني والقضاء على العصبيات القومية والمذهبية.

الثاني: استقلال كردستان العراق..  

الآن وبعد مرور قرن على اتفاقية “سايكس – بيكو” يسعى المسؤولون في أربيل لإعلان الاستقلال عن العراق.. وما سيطرة “البيشمركة” على المناطق المحررة من داعش وتنظيم المؤتمرات الدولية واللقاءات الدبلوماسية إلا محاولات ترمي إلى استقلال “كردستان العراق”. ويبدو أن هذا السيناريو هو أسمى أهداف أكراد العراق. في الوقت نفسه الأوضاع الميدانية في العراق تتعارض مع هذا الاحتمال المتوقع، وفي هذا الصدد يقول “محمد حاجي محمود” أمين عام الحزب الاشتراكي الكردستاني: “العراق من طائرة واحدة في سماء العراق.. إلى سيارة مفككة على الأرض”. في الوقت نفسه لا يجب أن ننسى دور الموقع الجيوسياسي الكردي في الحد من إمكانية تحقيق هذا السيناريو. وبالتالي فإن إمكانية تحقيق هذا السناريو يتوقف على موافقة دول الجوار، وبخلاف ذلك فسوف يفشل هذا السيناريو. ناهيك عن الخلافات بين أربيل وبغداد على “كركوك” والمناطق المحررة وباقي المناقشات على المادة 140 من الدستور، وكذلك مبيعات النفط وتحديات الميزانية، وبالتالي لا يُتوقع أن تستسلم الحكومة المركزية لهذا السيناريو.    

الثالث: استمرار الحرب في ظل حكومة مهزومة..   

بالنظر إلى الأوضاع الراهنة والشواهد الميدانية الموجودة، يمكن القول إنه على مدى السنة المقبلة لن يكون الوضع سهلاً بالنسبة لداعش.. وسوف يواجه التنظيم المزيد من الخسائر المحتملة، رغم ان القضاء عليه بشكل كامل خلال عام لن يكون سهلاً. مع هذا فعجز الميزانية العراقي، ومعدلات الفساد الاقتصادي الكبيرة، وكذلك عدم وجود قانون واضح، وآداء الحكومة على صعيد النفط والغاز  إلى جانب انخفاض أسعار النفط، بخلاف الاستياء المنتشر بين الطوائف المختلفة حتى الشيعية منها مثل “كتلة الأحرار” و”تيار مقتدى الصدر”، كل هذه العوامل تقود الحكومة إلى الفشل والخسارة. وبشكل عام فقد توقف المشروع التوسعي الداعشي لفترة، بالتزامن مع بدء عملية استعادة وتحرير المناطق المختلفة من التنظيم. وتقييم الأوضاع الميدانية للقتال ضد التنظيم يشير إلى توجيه هزائم وصدمات قوية للتنظيم على الجبهات المختلفة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة