أفتك العقد النفسية حين يشعر المرء بوجود نقص في تركيبته الذاتية فيعمد ويسعى بكل طاقاته الى تعويضها بشتى الطرق وإستخدام كافة الأساليب المتاحة وعندما يفتقد المرء شخصيته المعنوية في العطاء والإيثار تطغي عليه نزعة الأنانية وحب الذات وتتصاعد هذه النزعة في كيانه كلما إزدادت وتيرة النقص التي يشعر بها في ذاته ويلعب العوز المادي والحاجة والبعد عن الديار وفقدان الإستقرار الشخصي والعائلي وإنعكاساتها السلبية على النفس دورآ مهمآ في هذا السياق . أغلب الطبقة السياسية الحالية كانت الى زمن قريب أسماء مغمورة وضائعة ومبهمة بين شوارع وأزقة الدول تبحث عن معونة هنا وأغاثة هناك تقف مع طوابير الشحاذين والمعوزين وذوي العاهات على أبواب المتصدقين لعلها تجد من يتصدق عليها وتبحث عمن يهب بقايا موائده وتسعى جاهدة لتأمين لقمة عيش لها حتى لو تطلب الأمر شد الرحال للوصول اليها ، ولم يكن الأغلب منهم موطن نفسه كمعارض مستميت ضد النظام الدكتاتوري بل وجد نفسه في الخارج هاربآ من الجور والظلم والتجنيد الإلزامي وظروف الحروب والإنتفاضة الشعبانية بعد أن سنحت له فرصة ما لم يحسب لها أي حساب مسبق فأعانته في ذلك ولا فخر له فيها مطلقآ فعكف على العيش بطريقة إرتآها لنفسه وظل متقوقعآ عليها . ونتيجة لعيشة الكفاف تولدت في داخلهم شعور بالنقص وإهتزاز بالذات ودناءة متلازمة بالشخصية ، وبطبيعة الحال وجود أعداد كثيرة منهم في بلد واحد وأماكن متقاربة لابد أن تتمخض عن علاقات فيما بينهم وإذا وجد من بينهم من هو معارضآ لنظام الحكم فعلآ فحتمآ سيجد فيهم من سيتعاطف معه ويتبني لفكره وطروحاته كتحصيل حاصل طلبآ للرزق وربما زيادة لمدخولات المعونات تصاحبها وجبات طعام الصدقات لا أكثر . بعد سقوط نظام البعث على يد القوات الأمريكية ودخول جملة من العراقيين المتحالفين معهم أصبحت الفرصة مؤاتية لهؤلاء لزج أنفسهم مع من رجع الى العراق أو ربما تريث البعض منهم وجاء بعد فترة حين إستقر الوضع لأصدقاء الأمس وتبوؤا مناصب في الدولة الجديدة إبتداءآ من مجلس الحكم ومابعده ليستعينوا بهم ويلوذوا بهم ويؤيدوا منهجهم ويقووا شكيمتهم ويوسعوا قواعدهم . فقراء معدمين متسولين شذاذ في الآفاق وجدوا أنفسهم على حين غرة في مناصب حكومية مرموقة وبيدهم مقدرات البلد بثرواته وشعبه فمثلهم مثل المشرد الجوعان الذي لم يذق كسرة خبز منذ أمد طويل ويتلوى من شدة الجوع وفجأة في لحظة من الزمن الأغبر يجلس على مائدة ملكية فيها مالذ وطاب من طعام وشراب كيف سيكون حاله أكيد سيحاول أن يأكل كل شئ وبلا أدنى شك لن يشبع مطلقآ ليعوض سنين العوز ويأكل هنا وعينه على طعام هناك شعوره بالنقص يجعله يطلب كل شئ لا يكتفي من أي شئ ولن يتوانى لحظة من السكن في قصور كالمترفين في مساكن الذين ظلموا والنوم في فراش السلاطين الذين كان يوهم نفسه أنه يحاربهم وعندما وصل الى الحكم سار على نهجهم غير مبالي بالشعب ولم يهتز له شعورآ بالوطن هذا هو حال الطبقة السياسية اليوم في العراق .