كتبت – لميس السيد :
خلال شهر شباط/فبراير من عام 2012، عندما قادت “جماعة الإخوان المسلمين” النظام في مصر، تم الحكم قضائياً على الممثل المصري الشهير “عادل إمام” بالسجن ثلاث سنوات، إلا أن المثقفون والمسرحيون والصحافيون والجمهور لم يصمتوا.
“نحن نعود إلى العصور الوسطى”، هكذا علق وقتها الكاتب والروائي المصري “علاء الأسواني”، واتهم آخرون نظام الإخوان بأنه جاء لـ”قطع الأيدي الفنية وإلحاق أضرار جسيمة بحرية الفن والتعبير”.
كان سبب قرار الاتهام هو ظهور “إمام” في ثلاثة أفلام، تم عرضها سينمائياً للجمهور قبل 17 عاماً، “شكلت إهانة للإسلام والدين الإسلامي”، وفقاً للنائب العام في عهد الإخوان “عسران منصور”.
تغيير الخطاب السينمائي بين عهدين..
تلك الواقعة التي اختارتها صحيفة “أهارتس” الإسرائيلية مؤخراً لتستهل بها احدث تقاريرها حول تسييس موضوعات السينما المصرية وفقاً لنظام الحكم، للكاتب الإسرائيلي “تسفي برئيل”.
ليؤكد تقرير الصحيفة الإسرائيلية على انه، لم يكن أحد يتصور أن في غضون عام ونصف العام، سيتم الإطاحة بالرئيس “محمد مرسي” وإخراج جماعة الإخوان المسلمين من السلطة وإعلانها حركة إرهابية. ولم يتوقع أحد كذلك أن يغتنم الجنرال “عبد الفتاح السيسي” فرصة الرئاسة، ليعلن بعدها خطة لإقامة “خطاب إسلامي جديد”، ويسمح بتجديد الدراما المصرية التي تصور رجال الدين على أنهم محتالين.
متسائلاً برئيل: “ولكن هل نظام السيسي حقاً هو مهرجان لحرية الدراما المصرية؟”.. موضحاً أن صناعة السينما في مصر تتأثر بهوية النظام وموقفه تجاه الحركات الإسلامية. “على الرغم من أن المخرجين اليوم قد ينتقدون الدين وممثليه دون خوف من الاعتقال.. لكن إلى أي مدى يمكن الحديث عن حرية التعبير السينمائي في مصر؟”.
الدين والسينما في مصر لم يكونا متشابكين دائماً. وكانت الأفلام الروائية الأولى بين عامي 1928 و1954 هي أساساً الرومانسية والكوميدية التي تفتقر إلى النقد الاجتماعي أو السياسي. في تلك العقود التي تأسست فيها جماعة الإخوان المسلمون وتطورت، كان المصريون قلقين من أمور أخرى مثل “الحرب العربية الإسرائيلية 1947 – 1949، والاحتلال البريطاني، والاستقلال، وتشكيل الدولة الجديدة، والتعليم، وقضايا الفلاحين، وثورة الضباط في عام 1952”.
لم تكن الاشتباكات بين النظام والإخوان قليلة في الماضي وحفرت مكاناً في الذاكرة المصرية، على سبيل المثال، “إعدام قادة الإخوان عام 1966 بما في ذلك سيد قطب”، ولكن الخلافات لم تؤدي لعرض المعاملة العميقة للدين في السينما.
في عام 1954 تم إنتاج فيلم “جعلوني مجرماً”. وهو يصور شيخاً غير قادر على شفاء المرضى، وهو نوع من الانتقادات لشعار الإخوان المسلمين “الإسلام هو الحل”. كما شهد الفيلم إطلاق سراح “الشيخ حسن”، الذي يمثل دور صور الحب بين المعلم الديني المسلم، الذي يشعر بالحب تجاه امرأة شابة قبطية، تدعى لويزا، وهي علاقة يدينها اباء الطرفين.
بعض الانتقادات لـ”جمال عبد الناصر”..
في ذلك الوقت، كان المصريون يفسرون الفيلم على أنه يشهد على التسامح الإسلامي والرغبة في التغلب على الخلافات في الدين والسماح للحب أن يسود. وحظر النظام الذي كان يرأسه “محمد نجيب” آنذاك، النسخة الأولى من الفيلم بسبب الانتقادات القاسية من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء. وفقط بعد أن حذف المخرج بضع دقائق تتعلق بالقضايا الدينية تم منح الإذن عرض الفيلم في دور السينما.
وبعد عشرين عاماً، عندما شن الرئيس “أنور السادات” حملة مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، عرضت دور السينما أفلام تصور المعاملة القاسية من قبل النظام للإسلاميين واليساريين والشيوعيين والمثقفين. وكان من بين تلك الأفلام: “الكرنك” (1975)، و”احنا بتوع الأوتوبيس” (1979). وهذه الأفلام بالطبع لم تنتقد “السادات” بل بالأحرى ناقشت المعاناة تحت حكم “عبد الناصر”.
لكن السادات لم يكن معروفاً عنه انه يكن اي مشاعر دافئة تجاه منتقديه من الاسلاميين، وتم اغتياله على يد أحدهم واغتالوا أيضاً الصحافي “فرج فودة”، كما حاولوا اغتيال الكاتب “نجيب محفوظ”.
بدأ “مبارك”، خليفة السادات، بحملة ضد المنظمات الإسلامية واضطهد الإخوان المسلمين. كما صرح لشاشة السينما بإنتاج أفلام تصور الإسلاميين كأعداء للشعب مثل أفلام: “الإرهاب”، و”طيور الظلام”، و”الإرهاب والكباب”، وكلها بطولة “عادل إمام”. تصور هذه الأعمال رجال الدين والناشطين الإسلاميين على أنهم فاسدون وذباحون وكحوليون ويدمرون القيم الأخلاقية للمجتمع.