المقدمة :
إنّ المغرضين غالباً ما يضعون الخطوط الحمراء تحت أسماء الكتّاب والمفكرين الذين يحاولون طرح آرائهم بالنقد الهادف الوطني البنّاء الخالي من المؤثرات السياسية المؤدلجة حول بعض ما ذهب اليه قسم من الشعب في إنتماءاتهم العقائدية الحزبية على حساب إنتمائهم الوطني والتي أدت بلا أدنى شك الى ضياع العراق أو لنَقُل في طريقه الى الضياع ، وأرجو ان لا يخرج أحد جهابذتهم في مقالة (يَسمُو) فيها بالمصطلحات السياسية والشعارات الرنّانة ويقول لي بأن العراق لا يزال بخير وسندحر الإمبريالية العالمية وعملائها وكل المؤامرات التي تحاك والى آخره من الخطب السياسية التي باتت مصدر تندّر وإستهجان الوطنيين وغالبية الشعب بصورة عامة .
يقول الدكتور علي الوردي في الجزء الأول من كتابه الموسوم “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث” في تحليله لإزدواج الشخصية في المجتمع العراقي وخاصة السياسيون منهم : “وقد يستفحل هذا الازدواج عند بعض الذين يعملون في السياسة ويتزعمون الجماهير، فهم يخطبون ويهتفون بمبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية التي لا تفرق بين المواطنين ويدعون الى اعطاء كل ذي حق حقه ، ولكنهم لا يكادون يتولون مناصب الحكم حتى ينسوا ما هتفوا به وخطبوا”، إنتهى كلام د. علي الوردي .
وللدخول في جوهر التباين بين الإنتمائين الوطني والحزبي علينا أولاً تعريفهما إستناداً الى معاجم اللغة والمصطلحات السياسية لقطع دابر الإجتهاد الفردي للكاتب والقارئ على حدٍ سواءٍ.
وحسب ما جاء في معجم اللغة العربية من أنّ تعريف الفعل “وَطَنَ” : أي أقامَ فيه ، وأمّا كلمة “الوَطنْ” فتعني : منزل إقامة الإنسان وُلِدَ فيه او لم يُوْلَد .
والأسم “اِنتِماء” مصدر “اِنْتَمَى” : عُرِفَ بانْتِمائِهِ إلى قَبيلَةٍ كَذَا : اي بانْتِسابِهِ إِلَيْهَا .
أما معنى كلمة “سياسة” : فهي عبارة عن مبادئ معتمدة تُتّخذ الإجراءات بناءً عليها ، ويطلق عليها مصطلح “فن الممكن” .
ومعنى “الحِزْب” : فهو الجماعة من الناسِ ، وكل قوم تشاكلت قلوبهم واعمالهم فهم احزاب وإن لم يلقَ بعضهم بعضاً .
أما الحزبي : فهو المنتمي الى الحزبِ اي المجموعة المتجانسة الأفكار والعقائد .
ومفهوم او معنى “الانتماء” يشير إلى الانتسابِ لكيانٍ ما يكونُ الفرد متوحداً معه مندمجاً فيه ، باعتباره عضواً مقبولاً وله شرف الانتساب إليه ، ويشعر بالأمانِ فيه ، وقد يكون هذا الكيان جماعة ، طبقة ، وطن ، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماءِ والذي يعبّر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه .
ومن جملة المعاني أعلاه لمفردات الوطن ، السياسة ، الإنتماء والحزب نستطيع ان نعرّف الإنتماءات الوطنية والحزبية على النحو التالي :
الإنتماء الوطني : هو الإنتساب لبقعة الأرض المقيم عليها الفرد وحيثُ يكون متوحداً ومندمجاً فيها ، وله شرف الإنتماء لها ولقيمها وثقافتها ، وشعوره بالأمان للعيش ضمن حدودها ، والولاء المطلق لها والتضحية والإيثار من أجلها ، والتفاعل الإيجابي والإندماج مع افرادها والشعور بالإنصهار الكلّي في عاداتها وتراثها ، والإنتماء الوطني صفة مكتسبة في حالة الولادة على تلك البقعة لا يمكن التخلي عنها بسهولة أو إستبدالها بإنتماء آخر .
أما الإنتماء الحزبي (السياسي) : فهو الإنتساب الى جماعة أو كيان أو تجمّع متجانس في الأفكار والمعتقدات السياسية وإن لم يلقَ بعضهم بعضاً أو يشتركوا معاً بالإقامة على وطنٍ واحدٍ .
ومن مجموع التعاريف اعلاه حصلنا على تعريفي “الإنتماء الوطني” و”الإنتماء الحزبي ومفهوميهما بشكلٍ عام وسيكونان المدخل لصلبِ المقالة .
سألني أحدهم يوماً : لماذا انت ضد الأحزاب الأيديولوجية ؟، أجبتهُ : أنا لستُ ضدّهم ، لكنني ضد نتائج أفعالهم !!، ولأنني أيضاً لا أرغب في ان أكون ضد الوطن من حيثُ لا أدري !!. وربما جوابي هذا سيعتبره البعض فيه شيء من التجني على أحزاب نضالية أعطت الكثير من أعضائها ومؤيديها فداءاً للوطن !!، لكنني أعتبر شهدائها مع جلّ إحترامي وتقديري لتضحياتهم الكبيرة و”والجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ” انهم ضحّوا في سبيل مبادئهم وقناعاتهم الأيديولوجية وليس في سبيل الوطن !!، فهنالك فرق شاسع ما بين الحالتين ـ ـ اليس كذلك ؟ ـ ـ اوليس هنالك أيضاً التجني من تلك الأحزاب على الوطن والمواطن العراقي مما أدى الى ضياعهما !!، وهما (اي الوطن والمواطن) أثمن وأعلى مرتبة من كل الأحزاب وأيديولوجياتها ، فهما الغاية والوسيلة وكما تصرّح بذلك أدبيات تلك الأحزاب !! ـ ـ فماذا قدمت تلك الأحزاب للوطن والمواطن على مدار سنوات نضالها التي تجاوزت الخمسة وسبعين عاماً او ما يزيد أو ينقص غير (إهداء) الأجيال الحالية والقادمة لبقايا وطن مهدّم ـ ـ متخلف ـ ـ فقير ـ ـ مُعدَم ـ ـ هو عبارة عن مقبرة كبيرة للأحياء قبل الأموات ـ ـ تتقاذفه الصراعات والتنافرات بين أصحاب تلك النظريات والأيديولوجيات ، وحيثُ وصلت صراعاتها الى أصغر وحدة إجتماعية في المجتمع ألا وهي العائلة ، فبات الأخ يحاول قتل أخيه لإختلافه معه في الإنتماء الحزبي ، ومواطنون يعيشون دقائقهم فقط ولا يعلمون ماذا سيحدث بعدها ـ ـ يتملّكهم اليأس والقنوط كلّما نظروا الى النفق المظلم السائرون اليه.
الملاحظ من ان هنالك تداخل وضبابية في المعنى لدى الكثير من المنتمين للأحزاب في تفسيرهم لجوهر الإنتماء الوطني ودمجه بالولاء الحزبي لعقائد وأيديولوجيات سياسية .
لذا نجد تخلّي البعض من اعضاء تلك الأحزاب (الذين غُرِرَ بهم أو كانت لديهم ضبابية التمييز ما بين الإنتماء الوطني والإنتماء الحزبي) عن أحزابهم بعد إكتشاف تقاطعها ولو مرحلياً أو تكتيكياً مع الإنتماء الوطني النقي من خلال تأييدها وتحالفها مع الطامعين الذين هددوا التراب الوطني وإحتلّوا ودمّروا الوطن متجاوزين بذلك ثوابتهم الحزبية المعلنة ـ ـ ضاربين بعرض الحائط ما يدّعون في تقاطع مبادئهم واهدافهم وادبيات احزابهم وايديولوجياتها مع المحتلين ، لكنهم في ذات الوقت يعللون الأمر بتحالفاتهم مع المحتل من ان “عدو عدوّي صديقي” !!!، في تجاهلٍ واضحٍ لكفتيّ الميزان المتأرجحة بين الوطنية واللاوطنية وبين الشعب والوطن من جهة والمُحتل الطامع والخونة من جهة أخرى ، وليس كما يفكرون من ان كفتي الميزان تتأرجح بين الأحزاب من جهة والحاكم او الدكتاتور من جهة اخرى متجاهلين الوطن وثوابته .
كما ان تلك الأحزاب بمختلف مسمياتها أثبتت ضعفها وفشلها في إزاحة الحاكم (بنضالها) وجهودها الفردية معللة الأمر بدموية الدكتاتور وبربرية أجهزته القمعية !!! ـ ـ وسؤالنا لهم ماذا كنتم تتوقعون من رد فعل الطاغية حين ترفعون السلاح ضده ؟ ـ ـ او ماذا كنتم تتوقعون عند معارضتكم له ورفع شعار التغيير الجذري لحكمه ونظامه غير تصديه لكم بوسائله المعروفة ؟ هل كنتم تتوقعون بانكم ستكونوا في نزهة معه ويدعوكم الى جلسة غذاء (ديمقراطية) في فندق الخمس نجوم !! ، ولماذا اساساً انخرطتم في احزاب تؤمن بالتغيير الجذري للحاكم وسلطته اذا كنتم غير قادرين على ازاحته عن طريق تأليب الشعب وتهيأته ضده ليهب هبّة رجل واحد فيزيحه مع جلاوزته وادواته القمعية فأستعنتم (بأعدائكم) كما تصرحون بأدبياتكم وتحالفتم معهم تحت مبررات “الغاية تبرر الوسيلة” ، فأعطيتم الوطن بمن فيه كقربان للمحتل ومخططاته ثمناً لجلوسكم على كراسي السلطة والحُكمْ .
وعملاً بمقولة “خذوا الحكمة من افواه المجانين” ، كنّا نتندر على مقولة الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي “ان من تحزّب خانَ” !!، والتي أثبتت الوقائع والأحداث صحتها الى حدٍ بعيدٍ !!.
تقول د. حسناء القنيعير في مقالة نشرتها على النسخة الألكترونية من صحيفة “الرياض” العدد 13425 بتاريخ 27-03-2005م ما نصهُ : ” يمكن القول أنه وعلى مدى العقود الخمسة الماضية لم تتجاوز مختلف التيارات العربية في عملها الطرح الأيديولوجي، وظل العمل السياسي والحزبي محكوماً بمصالح التنظيم وعلاقاته بالخارج الذي لم يخل في أحيان كثيرة من تصادم مع الداخل، حتى أصبح الولاء للتيار السياسي وزعيمه يفوق الولاء للوطن”. إنتهى كلام د. حسناء القنيعير.
وهناك من يعرّف الإنتماء السياسي بشكلٍ عامٍ على أنه ” الدرجة التي تحدد وطنية الفرد في المجتمع عن طريق حبه وولائه للوطن ، والتضحية من أجله ، واعتناقه لأيديولوجياته ، وتمثله لثقافته ، وقيمه” . هذا ما كتبه أ. محمد ابو فودة في مقالته المنشورة في موقع “دنيا الوطن” بتاريخ 24-5-2007م ، ومن خلال تعريفه يحاول ان يبين الكاتب من أنّ الإنتماء السياسي هو حالة مطلقة للإنتماء الوطني ، اي ان يكون الإنتماء السياسي مرتبط ارتباطاً مطلقاً بحب الوطن والتضحية من أجله واعتناق ايديولوجياته السياسية ، وهذا بالطبع تحليل وتفسير ضبابي غير دقيق للإنتماء السياسي ، وحيث يصح الشطر الأول من تعريفه اعلاه كتعريفٍ “للإنتماء الوطني” وليس “للإنتماء السياسي” بقوله : ” الدرجة التي تحدد وطنية الفرد في المجتمع عن طريق حبه وولائه للوطن” ثمّ يكمل : ” وتمثله لثقافته، وقيمه”، ولهذا فليس من الضرورة ان يكون الإنتماء السياسي مرتبطاً جدلياً بالإنتماء الوطني وكما بيّنا سابقاً ، لابل ربما على العكس تماماً ، فماذا لو انّ الإنتماء السياسي العقائدي كان متقاطعاً مع الإنتماء الوطني ؟!! وكما أسلفنا .
أمّا الإنتماء الديني بمذاهبه فهو إنتماء مكتسب من الممكن تغييره أو التخلي عنه حسب القناعة الشخصية ، وأكبر دليل على ذلك هو تبني وايمان المجموعات البشرية على مر التاريخ بمعتقدات دينية مختلفة تحت مسميات عديدة ثم التخلي عنها وإعتناق معتقدات دينية أخرى . وهنا اتقاطع كلياً مع طروحات وفلسفات شرقية وضعت أولوية الإنتماء كحالة مسلّم بها للإنتماء الديني المكتسب ، واعطته الأسبقية على الإنتماء الوطني ، وهذا بحد ذاته ناشئ من إزدواجية شخصية الأفراد في المجتمعات الشرقية والتناشز الإجتماعي بين التعايش الحضاري المفروض منطقياً على المجتمعات الشرقية لمواكبتها التطور الحضاري وبين تمسكها بالعادات والتقاليد القبلية الموروثة مما جعلها متخبطة لفقدانها طرفي النقيضين (الحضاري والقبلي) ، وسأورد مثلاً بسيطاً يؤكد صدق ما ذهبتُ اليه : فكم من عضو حزبي للأحزاب الأيديولوجية بمختلف مسمّياتها (الأممية، القومية والدينية) صمد حتى الموت تحت التعذيب دون التصريح أو الإعتراف بأي حرف عن رفاقه أو خلايا حزبه ، لكنه إنهارَ تحت تهديد الإعتداء على شرف زوجته او ابنته او اخته وسجّل إعترافه من الألف الى الياء لا بل جنّدته السلطة القمعية ليكون جاسوساً على حزبه ورفاقه الذين ساقهم إعترافه الى التهلكة ويتّم أطفالهم ورمّلَ زوجاتهم !!، في حين نرى بان سكرتير أحد الأحزاب اليسارية في أحدى البلدان الأوربية صمد وهو يرى تناوب المحققون في الإعتداء على زوجته !!، وربما سيقول قائل هذا طبيعي لأننا كشرقيين نتمسك بالشرف وهو أغلى ما نملك في حين ان الغرب لا يعير له اهمية !!، وهذه المحاججة خاطئة تماماً ، إذ ان الإنسان الغربي استطاع التخلص من العصبية القبلية وعبر أجياله المتعددة ، لكن الإنسان الشرقي يحاول المسك باللّجامين (القبلي والحضاري) بيدٍ واحدةٍ وهذا محال لتضادد إتجاهيهما !!، ومن هنا ترسخت لديه الإزدواجية في الشخصية وبرز التناشر الإجتماعي في سلوكه . وقد ذكر الدكتور على الوردي في كتابه ” لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث/ج1″ من انه أحصى ذات مرة عدد التناشزات الإجتماعية في المجتمع العراقي فوجدها تزيد على الأربعة عشر تناشزاً !!، وسؤالي الذي يفرض نفسه : ما دمنا كمجتمع وكأفراد لا نستطيع التخلي عن احد عنصري (الحضارة والقبيلة) لحساب الآخر، فلماذا ننخرط في احزاب تتبنى ايديولوجيات تنهار امامنا عند أول تهديد لنا بإنتهاك رمز من رموز التقييم الأخلاقي القبلي والذي بدون أدنى شك لا نستطيع تجاهله أو الإستغناء عنه كشرقيين ألا وهو الشرف ؟، ولماذا اساساً نكوّن تلك الأحزاب مع علمنا بأننا لا نستطيع الإخلاص لها تحت التهديد والتي من خلال التمسك بشعاراتها دمرنا مجتمعنا ونسيجه الإجتماعي ووهبنا مئات الآلآف من خيرة أبنائنا ومبدعينا كقرابين على مذبح التضحيات بالإخلاص لأيديولوجياتها ؟، في حين نتخلى عنها تاركين الوطن بمجتمعه كأنقاض مع أول اختبار يمس صفة او رمز من رموز العصبية القبلية ألا وهو الشرف !!.
ومن الممكن محاججة الذين يعطون الأسبقية للإنتماء الديني على الإنتماء الوطني إستناداً الى “نظرية الخلق” التي تتبناها جميع الأديان السماوية وغير السماوية دون إستثناء ، لا بل تتبناها النظريات العلمية الخاصة بتكوين الأرض (الوطن) ، والتي مفادها أن الله (بالنسبة للمؤمنين بالله وخلقه) قد خلق الأرض (الوطن) أولاً وما عليها ثمّ خلق الإنسان ، اي خلق الوطن أولاً إكراماً للإنسان الذي سيعيش ويحيا على هذا الوطن ، ومن ثمّ خلق الإنسان ومجتمعاته (قومياته) وعقائده وأوجد أديانه ومذاهبه ، وهذا ايضاً ما تؤيده النظريات العلمية من انّ الأرض تكوّنت قبل الإنسان ، اوليس واجب علينا ان نحترم فلسفة الخالق في خلقه ونعطي اولوية الإنتماء للوطن (الأرض) قبل اياً من الإنتماءات القومية أو الدينية او اي إنتماء آخر وكما فعل هو ؟!!، فالعقيدة الحزبية بمختلف تشعباتها من الممكن نكرانها أو تغييرها ، لكن هل من الممكن تغيير او نكران الإنتماء الوطني حتى لو غادر الإنسان وطنه لعشرات السنين ، ولدينا الأدلة الكافية من أنّ المهاجرين في بلدان المهجر حتى الذين ولدوا فيها وانصهروا في مجتمعاتها يقولون أصلنا من البلد الفلاني ويعودون بأجيالهم الى جذورهم لإثبات إنتماءاتهم الوطنية للأصل ، وإن لم يفعلوا فسماتهم على مدار الأجيال تبقى ظاهرة معلنة أصولهم وإنتماءاتهم ، فالإنسان الأسود الساكن منذ قرون عديدة في أمريكا الشمالية لا يستطيع إنكار أصوله الأفريقية الواضحة في سماته ، كذلك الحال ينطبق على الأسيوي والشرق أوسطي ـ ـ الخ .
الخاتمة :
خلاصة القول ومن خلال ما طرحناه وناقشناه أعلاه يتبين لنا بشكلٍ واضحٍ وجلي الحقائق التالية :
– الإنتماء الوطني مغيّب بين كماشة الإنتماء الحزبي بكل مسمياته والإنتماء الديني بكل اديانه ومذاهبه.
– الإنتماء الوطني حالة مكتسبة ليس من السهل تغييرها وذلك لعلاقتها بطبائع الإنسان وطرق معيشته وصفاته التي تراكمت لتكوين شخصيته المرتبطة بالأرض منذ دهور سحيقة (الأنثروبولوجيا) وعلاقتها بالأجناس البشرية (الأثنولوجيا) التي تحيا على بقعة الأرض ، فتصبح كالروح في الجسد التي بدونها يعتبر الجسد ميتاً.
– الإنتماء القومي حالة نسبية تعتمد على هوية الوالدين (إذا كانت موحدة أو هجينة) ، وبالنسبة لنا كعراقيين من الصعوبة إثبات العنصر القومي النقي بسبب الغزوات والحروب التي شُنّت على العراق منذُ فجر التاريخ ولحد الآن والنزوحات المستمرة للأقوام من والى العراق ، والتي أدت الى اختلاط الدماء التي تجري في عروقنا .
– الإنتماء الحزبي العقائدي (اممي، قومي او ديني) هو إنتماء مرحلي قابل للتغيير وفق مراحل التطور الفكري أو إنتكاسه.
– الإنتماء الديني حالة مكتسبة قابلة للتغيير كما أسلفنا .
إن الشعب يتطلّع من الصميم الى ان تعيد تلك الأحزاب بأعضائها تقييم مراحل وفترات (نضالها) وتعلن بكل شفافية اخفاقها في الوصول الى أهدافها المعلنة والمصرّح بها في كتبها ونشراتها الحزبية ، وتغيّر بقايا معتقداتها الدخيلة لتتمسك بمعتقد الإيمان المطلق بالوطن الواحد الموحد ، وحيثُ يكون معيار الإنتماء اليه من خلال الهوية الوطنية وليس من خلال الهويات الأخرى (الأممية ، القومية والدينية المذهبية) والعمل على ترسيخها فهي الكفيلة بتحقيق انتماءاتها الأخرى عبر ولادة جديدة لمجتمع متجانس فكرياً ووطنياً يكون همّه الوحيد كيفية بناء الوطن والنهوض به من كبوته ، ومصارحة تلك الأحزاب لشعبها البائس بالحقائق وعدم التشبث بأيديولوجيات أثبتت الوقائع عجزها عن تحقيق الرفاهية والسعادة أو حتى أدنى مقوّمات الحياة العصرية لمواطنيها .