تنبري أصوات كثيرة بعد كل قرار حكومي؛ بذريعة الدفاع عن الفقراء؛ لدرجة وصف بعضهم؛ أن زيادة ألف دينار على قنينة الغاز؛ ستذهب في جيب الوزير.
فهل أن الوزير مثلاً هو من يبيع الغاز، أو تحت طائلة أيّ حساب نضعها ليتصرف بها لوحده؟! ووزارة الصحة لا تجني أرباح من إستفياء أجور رمزية.
لا يختلف تشبيه العراق عن بيت محترق، وعلى أبوابه لصوص وقطاع طرق ومجرمين، يُريدون قتل أبناءه، ولن ينفعنا التلاوم والنار ما تزال تحرق واللصوص ينتظرون فرصة النهب، ويستل السلاح على الرقاب، ولدينا جرحى وضحيا لا نجد لهم علاج.
يتحدث سطحيون عن أهمية الدعم الحكومي، والدولة ملزمة بدفع تكاليف الماء والكهرباء بذريعة المساواة وينسون العدالة، ولا نختلف بوصف العراق من أكثر الشعوب تبذيراً فيها، وقد يكون في العراق مستشفيات كبيرة تفوق كثير من الدول، ولكن هل الخدمة بذلك المستوى؟! وهل أن المواطن على قناعة بالمؤسسة الصحية، ولماذا يتم التجاوز على الأطباء؟!
الإجراء الأخير الذي أتخذته وزارة الصحة، لا يوازي مطلقاً نظيرتها في العالم، وتكاليفها أكثر بعشرات المرات عن أجور تستقطعها الحكومة، وكشفية الطبيب من 1-3 ألف دينار، والتحليل ألف والأشعة ألفين والمفراس والرنين خمسة آلاف، والرقود مع الأدوية 5 آلاف، والعملية 15 ألف، وعند مقارنة الأرقام نجد التحليل يكلف 2 ألف للشركة المصنعة للجهاز، والرنين عشرات أضعاف، وغذاء يوم واحد 6آلاف، وشراشف العملية الواحدة 25 ألف، ناهيك عن رواتب الموظفين ومستلزمات كل عمل.
نعود للبعد الإستراتيجي ومقارنة التكاليف مع نتائج ما سيحصل عليه المريض، فزخم المرضى سابقاً لا يعطي المجال للطبيب لفحص مرضاه بدقة، ويتطلب العدد الكبير تأجيل كثير من فحوصاتهم الى مواعيد ستغرق أسابيع وأشهر، وهذا ما يكلفه عناء المراجعات ومصاريف التنقل، وتراجع الحالة الصحية، والنتيجة يستدين الفقراء لمراجعة العيادات الخاصة، ونتوقع تراجع أعداد المراجعين الى 40%، ويُعطي للمريضة فرصة في إكمال الفحوصات في يوم واحد، والخروج بنتيجة مقنعة وعلاج كامل.
إن قرار وزارة الصحة صحيح في وقت خطأ، في زمن يُزايد المزايدون ويتاجر المتاجرون بحياة المواطنيين دون نظرة بُعد إستراتيجي، وبما أننا في معركة والخطر لا يستثني أحد؛ فعلى جميع المواطنين المساهمة في حماية أهم مؤسسة مرتبطة بالحياة، وقد يعتقد بعضنا أن التكاليف أكثر من قيمة ما يحصل عليه؛ لكن عليه أن يُدرك كمواطن أن هناك حالات مرضية يستوجب إنقاذ حياتها؛ بآلاف الدولارات شهرياً، ولدينا جرحى من المعارك المصيرية ملزمون بإجراء عملياتهم، والمستشفيات خط ثاني في معركتنا مع الإرهاب.
بُنيت أسس الدولة العراقية على قوانين داعمة مقلوبة الهرم، ومساواة لا عدالة، وما يزال بعض الساسة يشجعون على سياسة الريع التي تخدم الميسورين أكثر من الفقراء.
من واجب الدولة أن تكون راعية لمواطنيها، ولكن ليس من العدالة أن يملك مواطناً مصباح واحد وغيره عشرة مكيفات ولا تأخذ من كليهما أجور، كما ليس من الإنصاف أن تخسر الدولة 500 دينار في كل لتر بنزين سيارات، ومواطن لا يملك سيارة وأخر خمسة سيارات كل واحدة منهم تساوي سعر منزل الأول، وفي مثل هذا الحال لا يُقبل أن يحدد بعض المواطنيين نوع الفحص الطبي وأن كلف أثمان باهضة؛ بذريعة المجانية، ونعم لدينا فقراء كثيرون يحتاجون العلاج، ولكن علينا تقنين وتوجيه العلاج بصورة صحيحة؛ لكي يحصل هؤولاء على خدمة بسعر زهيد.