لاخلاف ان الويلات والمصائب التي انهالت على العراقيين عامة وعلى أهالي المحافظات المبتلاة بتواجد العصابات على وجه الخصوص، لايحتويها كتاب او مجلد او عشرات الأسفار فيما لو أردنا تدوينها حتى لو اختصرنا واختزلنا واقتضبنا، ولو رُمنا سرد الحكايات والقصص المهولة التي دارت فيها، لما كفتنا ألف ليلة وليلة. وهذا قطعا لايعني ان سنوات العراقيين السابقة لهذا الظرف، لم تكن تحمل في ايامها ولياليها من الويلات والمصائب ما يحاكي الجاري فيها بعده، فلقد عاش العراقيون مآسيَ وشدائد منذ عقود طويلة، وهم بانتظار القبطان الذي يأخذ بمركبهم الى بر الأمان، وبديهي ان القبطان المنتظر يجب ان يكون عراقيا قلبا وصلبا وجوهرا وانتماءً وولاءً، اما انتظار قبطان أمريكي او بريطاني او فرنسي او تحالفي، فهو أمر قد يخلصنا -وقتيا- من الكماشة التي حاقت بنا، إلا أنه ليس الحل المطلوب ولايوصلنا الى الغاية المنشودة التي تبني البلد، وتمنح العراقيين الاستقرار والعيش الآمن والرغيد، بعد أن ذاق مرارته بكل حواسه وجوارحه. فالحل الجذري لمشاكلنا، والعلاج الناجع لجراحاتنا، يجب أن يكون عراقيا.. بنيات عراقية سليمة.. وقلوب عراقية تنبض بدم واحد وهدف مشترك.. وقالوا قديما:
ماحك جلدك مثل ظفرك
فتولّ أنت جميع أمرك
فيما عبّر عن هذا أجدادنا الطيبون بلسانهم فقالوا: (عينك على مالك دوه). وقد هيأ طالع العراقيين لهم هذا، فالحكومة عراقية وقادتها عراقيون -او هذا مايبدو- على اختلاف درجاتهم الوظيفية ومناصبهم فيها، وهم أول من يعول عليه في إيصال العراقيين الى بر الأمان. ورب سائل يسأل؛ هل هم فاعلون هذا؟ وقد يسأل ثانٍ؛ ماشكل بر الأمان الذي يرسمونه لمواطنيهم الذين سبق ان أشاروا اليهم بأصابعهم البنفسجية أكثر من مرة؟ قطعا سيأتيهما الرد في بيت الشعر القائل:
المستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
وما هذا إلا لان الأمل المرتجى تحقيقه بعد زوال النظام المقبور لم يتحقق منه قيد أنملة، بل زاد الحاكمون بعده الطين بلة، فصح عليهم المثل: (چمل الغرگان غطه)، وراحوا يعلقون على شماعات عديدة أخطاءهم وتقصيرهم وتقاعسهم -المتعمد وغير المتعمد-. ولو افترضنا جدلا ورجعنا بالزمن الى الوراء أكثر من عام ونصف العام، وتخيلنا ان العراق لم يتعرض لهجمة عصابات ماتسمى بالدولة الاسلامية، ولم يجرِ ماكان من أمر ضياع الأراضي والمدن ووقوعها تحت سيطرتها، ولم يتعرض سكان مدننا العراقية الى القتل والتشريد والنهب والسلب والسبي والتنكيل، ونفترض ان العراقيات من سكنة تلك المدن لم يتعرضن الى اعتداءات يندى لها الجبين، ولم يُقتدْنَ سبايا ويُبَعنَ في سوق الرق كحالة منفردة في عالم القرن الواحد وعشرين، واحتسبنا أن هذا كله لم يكن قد حدث، فهل تكون الصورة أجمل مما هي عليه الآن؟ وماالذي يتغير لو لم يكن العراق قد مر بالأحداث التي سببها تنظيم داعش الإرهابي؟ وهل مانحن فيه اليوم من تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية كلها من أفعال داعش او نتائج أفعاله؟ فإذا كانت أسباب ماحدث ونتائجه كلها معلقة على شماعة داعش، فإن ساسة العراق الموجودين في سدته اليوم بريؤون من التبعات التي تلقى عليهم، وصفحتهم نظيفة ونقية وبيضاء إزاء ماجرى ومايجري في الساحة العراقية، وما أظنني صائبا في هذا، فالإثنان؛ داعش ومن تسنم مشروع العراق الجديد بعد عام 2003، ماهم إلا تكملة وامتداد لرأس النظام المقبور، وبأفعالهم يحيون ذكره يوما بعد يوم.