لا يمرد القلب شيئاً كمواقف المغلوبين على أمرهم من ضحايا النظام المباد، وهم يرددون ما تنسجه لهم ماكنة جلاديهم المتخصصة بصناعة الأكاذيب والأضاليل؛ حول داعش بوصفها صنيعة الامبريالية والشيطان وأعداء الأمة ورسالتها الخالدة. بالرغم من كل هذه الكوارث التي حلت على تضاريس وطننا المنكوب، والتي ارتفعت وتيرتها بشكل غير مسبوق بعد الإعلان عن الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ما زالت وسائل الإعلام المختلفة، من كلا المعسكرين (الضحايا وجلاديهم السابقين) تعيد تدوير تلك الأكاذيب من دون أدنى إحساس من عقل أو ضمير. داعش كاسم وعنوان، ظهرت العام 2013 وهذا أمر لا يختلف عليه، لكن كمنهج وقيم وسلوك تعرف عليه سكان هذا الوطن القديم مراراً وتكراراً في تأريخهم القديم والحديث. عام 2014 صدم العالم بالانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها عصابات داعش الهمجية، بحق سكان المناطق التي استباحوها في الموصل، حيث تعرضت كل الجماعات المختلفة عنهم بالدين والعقائد والسلوك، الى حملات إبادة وانتهاكات لا مثيل لها، لا سيما أتباع الدين اليزيدي وعائلاتهم المسالمة.
مثل هذه الجرائم وأقسى جرت في نيسان العام 1980 قبل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، حيث مارس النظام المباد وأجهزته القمعية أعتى أنواع الأساليب الإجرامية واللا أخلاقية ضد شريحة مسالمة وفعالة في المجتمع العراقي، هم الكورد الفيليون، من دون أن تترك تلك الجريمة أي أثر أو رد فعل محلي أو إقليمي أو أممي، يتناسب وتلك الممارسات الداعشية المبكرة. قبل 37 عاماً بوغتت آلاف الأسر الفيلية الآمنة، بحملات منظمة وغادرة لأجهزة النظام المباد وشبكاته الحزبية القمعية، حيث داهمت قطعاتها، مساكنهم الآمنة لتخرجهم منها الى حيث مقراتها الأمنية والحزبية ومن ثم رميها في المناطق الحدودية الأكثر خطراً، بعد أن تم احتجاز الرجال والشباب واليافعين، الذين عزلوا عن أسرهم في معتقلات خاصة كان آخرها سجن “أبو غريب”، حيث تعرضت قوافل المسفرين لحملات منظمة من قطاع الطرق والعصابات المرتبطة بالنظام المباد (سرقة واغتصاب وموت عن طريق الألغام..) كما صودرت أملاكهم وعقاراتهم، وهو ما اقتفت أثره داعش بكل تفصيلاته. أما ذروة المأساة فقد تعرفنا على تفصيلاتها المريرة، بعد زوال سلطة داعش العربي الاشتراكي، عندما لم يعثر من تبقى من الأسر المسفرة، على أي أثر لآلاف من أبناءهم المحتجزين في معتقلات النظام المباد، وما زالت القصة الحقيقية لرحيلهم عن عالمنا مجهولة حتى هذه اللحظة، بعد أن برهن أسلاف داعش عن نوع الضمائر والعقائد القذرة التي يمتلكونها، عندما لم يفصح أحد منهم عما جرى لأولئك الضحايا.
من دون وجع من قلب أو ضمير أو حس بالمسؤولية الفردية والجمعية، يميل الكثير من الضاجين على سطح المشهد الراهن؛ لإلقاء اللوم عن كل ما جرى ويجري لنا من كوارث؛ على شماعة العبارة الهلامية (احنه مو خوش أوادم) والتي تحجب عنا كل فرصة للتعرف عن العلل الفعلية والقوى والعقائد التي تزود هذه الفصول من الانحطاط بكل ما تحتاجه لتبقى وتتمدد حتى يومنا هذا. من تلك البوابة والمحطة المشؤومة (نكبة الكورد الفيليون) والتي تسلل عبرها كل هذا الجحيم، الذي لم يستثن أحدا من سكان هذا الوطن القديم؛ يمكننا فك طلاسم الكثير من غرائبية المشهد الراهن وحلقات متاهاته المتواصلة..
نقلا عن الصباح الجديد