اظهرت نتائج الاستفتاء الاخير في تركيا نزوعاً شعبياً نحو التعلق بالرموز والقادة على حساب التعددية وفي مراجعة سريعة للتعديلات الدستورية التي صوت عليها البرلمان التركي وعرضها للاستفتاء الشعبي يرى المراقبون للشأن السياسي التركي ان الرئيس رجب طيب اردوغان تلقى دعماً جديدًا سيكرس من خلاله سلطاته وصلاحياته بغطاء شرعي واسع وفي الوقت نفسه سحبت الموافقة على هذه التعديلات البساط من احزاب المعارضة ووضعتها في موقف صعب واضعفت حججها ورقابتها على الاداء الحكومي المدعوم من حزب العدالة والتنمية ومن الملفت للانتباه ان المدن الكبرى انقرة العاصمة واسطنبول وازمير رفضت هذه التعديلات ولم تصوت لصالح اردوغان ..فيما صوتت شرائح واسعة في المحافظات الفقيرة والارياف بالتأييد للرئيس التركي ..وتعكس نتائج التصويت التحولات في الرأي العام في دول الشرق عامة وفي تركيا خاصة برغم ان هذه البلاد اجهدت نفسها للتخلص من هذا الشرق وتريد الانتقال الى والانتماء الى الغرب عبر بوابة الاتحاد الاوروبي فتركيا التي ظهرت فيها معالم الدولة العلمانية من خلال تعديل الدستور عام 1928 وانهت سيطرة الدين على الدولة واقدم بعدها كمال اتاتورك على اصلاحات حققت لتركيا نظام اداري وسياسي واخرجها للعالم كدولة حديثة .. تقف في منعطف خطير ولحظة مفصلية ..وقد الهمت الاحداث في تركيا عبر التاريخ الكثير من المتطلعين الى الحرية والديمقراطية في دول الشرق الأخرى فالثورة الدستورية في ايران 1906 او مااطلق عليه (المشروطة والمستبدة ) تفاعلت وتناغمت مع ماسبقها في تركيا واسست لاول حركات الاصلاح السياسي في ايران وبدورها تركت هذه الحركات في تركيا وايران اثرها ايضاً على الثورات الرافضة للاحتلال البريطاني والفرنسي في العالم العربي وخلافاً للتراتبية السياسية التي تولد منها الانظمة الديمقراطية في اوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى في العالم حيث يتم التخلص من انظمة الاستبداد والحكم الديني وتقديم التضحيات للوصول الى النظام التعددي ..بقيت الانظمة الحاكمة في الشرق تعاني من الارتداد في سعيها للتخلص من الديكتاتورية وتفرد الاحزاب والزعامات والعائلات بنظام الحكم وجنحت انظمة سياسية متفردة نحو تكريس السلطات بيدها مع بقاء مؤسسات البرلمان والسلطات التنفيذية والقضائية ولجأت الى تعديل الدستور وتغيير القوانين بما يمكنها من الاستحواذ على اكبر مساحة من الصلاحيات وتحججت باستمرارها على البقاء بحصولها على الغطاء الشرعي في الانتخابات مثلما حصل في ايران ويحصل في تركيا ولابد من التنبيه على ان هذه الظاهرة وهذا الارتداد لايمكن تحقيقه الا من خلال اغلبية شعبية فقيرة حظوظها من الثقاقة والمدنية متدنية لاتعي جيداً مصالحها في النظام الديمقراطي وترى خلاصها ومستقبلها في انظمة الرموز والتفرد وهي مؤشر خطير على تراجع مضامين الديمقراطية في انظمة الحكم على مستوى الشرق عامة.
نقلا عن الصباح الجديد