18 ديسمبر، 2024 11:22 م

أوروبا تنتبه ونحن غافلون

أوروبا تنتبه ونحن غافلون

الدول الكبرى بدأت تدرك مخاطر الانفلات المعلوماتي على أمنها وسلامة مجتمعاتها، ودعت المفوضية الأوروبية الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي إلى تعديل شروط الخدمة للمستخدمين الأوروبيين.

أن يتحول شعب بكامله إلى سياسيين ومحللين نفسيين واجتماعيين وناشطين حقوقيين وإعلاميين افتراضيين ومالكين للخبر اليقين ومتفقهين في علوم الدين، فأنت أمام حالة مدهشة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وعليك أن تتعامل معها بكثير من الوعي والجدية والحذر، وأن تصبح لكل فرد من المجتمع إذاعته الخاصة، وقناته التلفزيونية الخاصة، وصحيفته الخاصة، ونادي الدردشة الخاص به، لمجرد أنه يمتلك هاتفا ذكيا، فذلك يعني أننا نغرق في محيط لا قرار له، من المعلومات، أغلبها مما يتم تصنيعه حسب مزاج صاحبه وصاحب المصلحة من ورائه، ويعني أننا جميعا عرضة للاختراق، فلا أحد محصّن منه.

وأن تنهار منظومة الرقابة الحكومية في بلد ما، فالأمر يشير إلى أن الدولة تفقد الجانب الأهم من سلطتها، وتتخلى عنها لفائدة نزوات الأفراد والجماعات المتحصنة بتقنيات السوس القادر على نخر أثاث البيت وأعمدة الوطن.

وأن يجد شعب لا يزال في مرحلة المراهقة السياسية والحضارية، وتحت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، نفسه أمام كل هذه الفوضى الاتصالية والإعلامية، فذلك يعني أنه ديس أو يداس تحت أقدام عولمة لا ترحم، صنعها الكبار القادرون على تحصين أنفسهم وكياناتهم، وتورط فيها صغار لم يخضعوا بعد حتى إلى عمليات التطعيم الأولية التي تقيهم من الأمراض.

الجديد في الموضوع، أن الدول الكبرى بدأت تدرك مخاطر الانفلات المعلوماتي على أمنها وسلامة مجتمعاتها، ودعت المفوضية الأوروبية الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وغوغل وتويتر إلى تعديل شروط الخدمة للمستخدمين الأوروبيين وإلا خاطرت بالخضوع لغرامات، وأكدت أنها ستتخذ بالاشتراك مع منظمات حماية المستهلك الأوروبية إجراءات للتأكد من التزام شركات وسائل التواصل الاجتماعي بقواعد المستهلك المتبعة بالاتحاد الأوروبي.

كما اتجهت أوروبا إلى التدقيق المشدد بشأن أسلوب إدارة شركات تكنولوجيا المعلومات الأميركية لأنشطتها ومنها الخصوصية وسرعة حذف المحتويات غير القانونية أو التي تحتوي على تهديدات، بعد أن كانت ألمانيا وهي أكبر بلد في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان قالت في وقت سابق إنها تخطط لسن قانون جديد يدعو شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك إلى حذف المحتويات التي تنطوي على تشهير وتهديدات على وجه السرعة، وإلا تعرضت لغرامات تصل إلى 50 مليون يورو.

هذا يحدث في أوروبا المتطورة والقوية، وفي ألمانيا صاحبة المنجز العقلي والفلسفي الجبّار، بينما لا يزال العرب مترددين في اتخاذ موقف مشترك من شبكات التواصل الاجتماعي لحماية دولهم من فوضى عارمة تكاد تعصف بهم وهم غافلون.
نقلا عن العرب