تعتني الثقافة بالروح المبدعة. وتأخذ منها وقودا لأرثها يمنحها دافعا لديمومة المنتج والإبداع . والثقافة في جزء من صفاتها إنها وليدة أرحام الكتب بشتى تصنيفاتها. وقديما عندما تولد فكرة أو قصيدة يصير لوح الطين سريرها الأول.
الآن تطور الأمر. الورقة صارت سرير القصيدة. ثم جاء بيل غيتس وجعل السرير ملفاً على شاشة الكمبيوتر.
أذن لقد تطوّر الأمر وعلينا أن نطوّر الرؤى إزاء المستجد الذي يمتاز بهاجس التطوّر والسلب والإيجاب وأمور أخرى تهم الهوية الثقافية بلباسها الوطني والقومي والأممي. وحتى الشخصي أيضا . نحن بتنا بفضل العولمة ليس من سكان مدننا أو قرانا. نحن الآن سكان القرية العالمية الصغيرة بفضل التطور الهائل لوسائل الاتصال وعلينا في جانب كهذا أن لا ننظر إلى روح المقاومة بشأن المتغير فهو اكبر حتى من صوت امة كاملة لتقف في مواجهة الحدث!… وبالرغم من أن الكتب الورقية فاكهة الثقافة ايضاً ولكن يكاد ان يكون شهر عسلها ذاهب إلى أفول دائم أو مؤقت كما أنفلونزا الطيور. الله اعلم أو إن الأمر مرتهن بقدرية تاريخية حساباتها صعبة هذه الأيام بسبب المتغير الهائل في المركبة الحضارية والتي هي نتاج التفكير الجديد للرؤية التي تم التبشير فيها بوضوح في فلسفة همنجتون صاحب الكتاب الشهير (صدام الحضارات) الذي مهد لأمر تطور سريعا وبتنا نحصد ثماره كما حدث في عاصفة الرسوم المشينة التي تسيء إلى شخص ومكانة الرسول محمد (ص). وبالرغم من أن كتاب صدام الحضارات ظهر أول الأمر بثوبه الورقي إلا انه سرعان ما أخذه مايكروسوفت إلى حديقته وصار جزءا من التبشير إلى ثقافة المتغير ومن حصادها إن الكتب ستصبح مزهريات أثرية في رفوف الجدران وغبار الأزمنة وبحوث الذين يعشقون مهنة الجاحظ ، أما السواد الأعظم فسيكون منشدا إلى مكتبة الأقراص الليزرية وال DVD مادام هي توفر عشرة ألاف كتاب في قرص مدمج واحد.
إذن وداعاً أيها الورق. رفيق هواجس ألف ليلة وليلة وذهب مع الريح وقصة الحضارة واحدب نوتردام وهاملت وبين قصرين ومائة عام من العزلة واولاد حارتنا وقنديل أم هاشم ومدافع نافارون. الخ.
لقد بدأ جيل آخر يفكر بذاكرة أخرى. وذلك ما أراه شيئا من مصيبة لوجودنا على المستويات الحضارية كافة.
الأمر خطير إن لم تخلق بدايات لثقافة الفلسفة المضادة. وهذا يتطلب منا استراتيجيا هائلا يناط بالكثير من المؤسسات القومية (وأنا احصر الأمر في الأمة العربية). ومنها الجامعة العربية والأزهر ومرجعيات كل المذاهب ووزارات الثقافة في الدول العربية وجميع منظمات المجتمع المدني التي تعنى بالهاجس الحضاري وكذلك دور النشر والصحافة.
قد تكون المهمة مستحيلة . لكن الأمر ينبغي أن يرسم على هذه الشاكلة وإلا سنذهب نحن وكتبنا إلى المتاحف وتتحول أجيالنا إلى حواسيب وروبوتات وقرص مدمج ونشاز في ذاكرة السمع والقراءة وتناول الأطعمة.
أذن الأزمة كبيرة ولا تناقش في مقال. إن الأمر مرتهن بكونية ما. وهل نملك القدرة على الضد من هكذا تسونامي يهدف إلى إغلاق نوافذ أحلامنا الأولى والمتعة والوازع الذي يجعلنا نكتب الجميل دائما ، وفي النهاية ليس هناك إفلاس لقارئ او لكاتب. إنما الأمر مرتبط بذاكرة المتغير وهذا يُحسب في معالجات كثيرة.
اعتقد أن الشرق صانع ماهر للموهبة وان المادة الجيدة تصنع قارئا جيدا وان تضاءلت الكمية إلا إنني دائما أقف مع مقولة كونفوشيوس الحكيم: حرف لامع واحد يكفي لإنارة العالم ألف عام…..ّ!