” انهم يعيبون على بعض الرموز اللامعة النجاح، لانهم غارقون في بحار الفشل ” !
من الظواهر السلبية التي انتشرت في الساحة العراقية في السنوات الاخيرة تبرز ظاهرة التسقيط والتشهير كمرض اجتماعي استفحل الى درجة ان تحول فيها الى وباء خطير وسلعة رخيصة لكل من هب ودب من الفاشلين ليعبر فيها أولئك المفلسون عن فشلهم وحسدهم من الآخر ، وليبرهنوا فيها كذلك على لا انسانيتهم وانعدام القيم الاخلاقية والنوازع الانسانية لديهم ، ومفهوم التسقيط له معان متعددة كالبهتان والتزوير والافتراء، وفي المفهوم القرآني اقترن مفهوم التسقيط بظاهرة او مصطلح (البهتان)، وهو تعبير قرآني لمفهوم أخلاقي سلبي .
ثقافة التسقيط هي ثقافة انهزامية وتعكس الازمة والانتكاسة النفسية التي يمر بها الشخص أو المجموعة الى درجة ان تصبح المفاهيم الاخلاقية لديهم مفاهيم ميكافيلية فالوسيلة عندهم مبررة مهما كانت بشعة وقذرة لأن الغاية التي يسعون اليها ويستهدفون لتحقيقها هي بالتأكيد أكثر انحطاطاً ورذيلة ، ومرض التسقيط مرض معدي ومزمن لا يلبث ان يتحول الى حالة من الادمان على هذه الظاهرة الاجتماعية المنبوذة ، كما ان هذه الظاهرة تمثل محاولة لخلط الاوراق واشاعة أجواء انعدام الثقة بالأشخاص والناس الصالحين والمصلحين للتغطية على الفاسدين والفاشلين .
الافراد والمجموعات التي تمارس رذيلة التسقيط تعبر في ممارساتها عن انسلاخها من الشرائع السماوية والقيم الاخلاقية جميعا ، فجميع الاديان السماوية والقيم الانسانية ترفض هذا المرض الاجتماعي الخطير وفي الاسلام كانت الشريعة حريصة على إظهار مدى شناعة هذا الفعل القبيح والذي يؤدي بصاحبه الى الوقوع في براثن الظلم والاثم بقوله تعالى : {ومَن يَكسِبْ خَطيئةً أو إثماً ثُمّ يَرْمِ بهِ بَريئاً فَقَد احتَملَ بُهتاناً وإثماً مُبيناً} (النساء/ الآية 112) ، وقوله تعالى { والذينَ يُؤذونَ المؤمنين والمؤمناتِ بغيرِ ما اكتَسَبوا فقدِ احتَمَلوا بُهتاناً وإثماً مُبيناً } (الاحزاب / الآية 58) ، اما في مرويات السنة الشريفة فلقد حذر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) من جريمة التسقيط واوضح مصير من يمارس هذه الرذيلة والعقاب الأخروي الذي سيؤول اليه صاحبه بقوله : “من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه اللّه تعالى يوم القيامة على تلٍّ من نار، حتى يخرج مما قاله فيه” ، ويشير الامام جعفر الصادق ( عليه السلام) الى فداحة ثقافة تسقيط الانسان المؤمن والذي يؤدي بصاحبه الى الهاوية وولاية الشيطان وهو مصير وعقوبة تعبر عن فداحة الجرم وشناعته وهذا ما يشير اليه بوضوح حديث الامام الصادق بقوله : “من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه، وهدم مروته، ليسقط من أعين الناس، أخرجه اللّه عز وجل من ولايته الى ولاية الشيطان” .
ظاهرة التسقيط في تاريخها عبارة تجارة رائجة وثقافة اجتماعية في كل الاوساط والميادين ، وفي مجتمعنا أصحبت هذه الحالة المرضية وباءً وفيروساً اجتماعياً خطيراً خصوصا بعد انتشار وسائل الاتصال ذات التقنية الحديثة كالفضائيات والتي تتخصص الكثير منها في ممارسة اساليب التشهير والتسقيط والتحريض ، وتحتل مواقع التواصل الاجتماعي الصدارة في التسويق لحملات التسقيط بشكل تحولت الى ممارسة يومية تعبر عن حالة من الصراع المحموم الذي نعيش دقائق تفاصيله في الساحة العراقية بشكل دائم ، وفي الغالب تكون ذات أهداف سياسية محضة بالرغم من استهدافها لجميع الشرائح الاجتماعية بمختلف طبقاتها الى ان الغاية الرئيسية لا تخرج عن نطاق تصفية الاخرين خصوصا المنافسين المباشرين وحتى غيرهم، ولم يسلم من الحملات التشويهية المسعورة حتى المرجعية الدينية والعلماء وباقي الرموز الدينية التي تتعرض الى حملات تسقيط مسعورة ممنهجة وخصوصا المرجعيات الحركية الفاعلة والمؤثرة في الاوساط الاجتماعية ، كذلك الامر بالنسبة للأوساط الاكاديمية التي تحول الافتراء فيها ايضا الى ظاهرة مستديمة في سباق التنافس المحموم من اجل المناصب والمسؤوليات ، اما في مضمار السياسة فأن حملات التشويه تحولت الى ثقافة دائمة لدى الكثير من الكيانات السياسية وقواعدها الجماهيرية وتصل حمى التسقيط الى ذروتها في المرحلة التي تسبق سباق الانتخابات وتصبح جميع الاسلحة غير المشروعة والوسائل المنحرفة والفاسدة متاحة في سبيل معركة السلطة والتسلط .
ان استفحال ظاهرة التسقيط يتطلب من المعنيين بالحفاظ على السلم الاجتماعي بذل جهود جبارة واسعة من اجل الحد من ممارستها ، وتثقيف المجتمع على مساوئها والاثار السلبية الخطيرة التي تنتجها ، وعلى جميع المؤسسات الدينية والثقافية والاعلامية والاجتماعية مسؤولة عن مواجهة هذا المرض الاجتماعي الخطير قبل أن يتحول الى ثقافة انسانية عامة ، يجب ان نعمل على بيان فداحة وقباحة هذه الظاهرة القبيحة وخطورتها على التضامن والسلم الاجتماعي الذي يتعرض الى تهديد جدي يهدد تماسكه في المجتمع العراقي نتيجة للعديد من العوامل والاسباب التي تبرز في مقدمتها ظاهرة التسقيط الشعوائي وليس عشوائي ، والذي تقف خلفه جهات خارجية وأجندة داخلية تستهدف تمزيق اوصال النسيج الاجتماعي واثارة الخلافات والصراعات ، بهدف شغله وصرفه عن الواقع والمشاكل والمعوقات التي تعصف بها الساحة العراقية وتهدده وحدة أرضه وشعبه .