في أغلب المجتمعات كلمة الزفاف إقترنت بالأفراح ودائمآ تعني مراسيم للبهجة والسرور والسعادة ودعوات لتبادل التهاني والتبريكات وعناوين للإبتهالات والأماني السعيدة ، والزفاف في معظم الأحيان كرنفال بهيج يأخذ في مساراته الشعبية شيوع علني أمام الملأ لعملية تأطير زواج جنسين ودخولهما عش الزوجية وبداية لحياة جديدة . تختلف هذه المراسيم والكرنفالات والأساليب المندوبة لإحياء هذه المناسبات تبعآ لثقافات وعادات وتقاليد المجتمعات والظروف التي تعيش فيها وتحيط بها وتبقى العلامة المشتركة فيما بينها جميعآ التعبير الواضح عن الفرحة والسرور وفضاءات من السعادة والبهجة وأجواء من المودة والوئام وإرتسام البسمة في المحيا ، ولحين الإنتهاء من هذا الإحتفاء يولي أصحاب الشأن إهتمامآ بالغآ في تدوين أحداثه وتوثيقه بكافة تفاصيله بآعتباره من الأحداث الغير متكررة وليبقى تتصفحه ذاكرة الأيام عند تقادم الزمن والوصول الى أرذل العمر بل يتخطاها الى الأولاد والأحفاد وربما تصل الى الأجيال اللاحقة وهذه هي الحالة الطبيعية التي إعتاد عليها البشر في كل أقصاع الدنيا . ما نشاهده اليوم في العراق مغاير او يكاد يكون مختلفآ بشكل واضح وجلي عما هو موجود في بلدان أخرى وكأن أغلب العراقيين خارج المنظومة التي تتطلع لها الشعوب حيث تبين الوقائع أن إحتفاءه بالأحزان والأتراح يفوق أضعاف مضاعفة مناسباته في الأفراح حتى وإن كانت بعنوان الزفاف ، ولو إقتبسنا نماذج لواجهتنا حقائق تدمي القلوب قبل أن تدمع العيون فلو تركنا الولوج في حقب الأنظمة المظلمة التي جثمت على مقدرات الشعب العراقي لما فيها من عجائب وغرائب يندى لها الجبين ونظرنا الى ما بعد التغيير كما يشاع لرأينا الأمور لا تكاد تكون مغايرة إطلاقآ بل تجعل المرء يتأمل ويتسائل هل حقآ حصل التغيير في العراق أم أنه تبديل لوجوه ليس إلا ؟. زفاف شبابنا من الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة في أحيان كثيرة في كل مدينة وقضاء وناحية وقرية وقصبة تكتض شوارعنا وأزقتنا بهم ، فتية في مقتبل العمر وفي ريعان الشباب وفي بداية العطاء وأول طريق للحياة ترسم لهم الدنيا نهايتهم قبل أن يبدؤا فيها وتقطف أرواحهم حين توردها وتسدل الستار عليهم ليغيبوا قبل أن يحضروا ويسجلوا أسماؤهم في سجل الحياة قدر غير مقدر عليهم ولم يكن في الحسبان لهم أو لعوائلهم ومن يلوذ بهم وكأنهم خلقوا ليزفوا لا الى زفاف الحياة وإنما الى زفاف الموت فكل ليل يقبل يجلب معه زفاف ومع كل ليل ينقشع يعلن مع صباحه عن زفاف وفي كل ضحى أو مساء تتوالى قوافل الزفاف للشهداء هنا وهناك وتتبدل المراسيم بكل حيثياتها من بطاقات ودعوات الفرح تتحول الى يافطات وبوسترات الحداد ومن تبادل التهاني الى تبادل التعازي ومن أصوات الأهازيج السعيدة الى المراثي الحزينة ومن الضحك والإبتسامات الى البكاء والنحيب ومن بدلات الأعراس الى لباس السواد ومن زغاريد الأحبة الى صراخ المفجوعين ومن قاعات الأفراح الى سرادقات العزاء ومن سيارة تنقل العريس الى سيارة تنقل الشهيد ومن تشييع الى بيت الزوجية الى تشييع نحو بيت القبر ومن بداية حياة جديدة في الدنيا الى بداية رحيل نحو الآخرة .