يشكل مفهوم المرحلة البؤرة التي عن طريقها يمكن قراءة المشهد العراقي الراهن ، فهذا المفهوم يؤشر بشكل تفصيلي عن كل ما يحدث في السياسة و المؤسسات و الحياة الرسمية و العامة في العراق ، فكل ما يعبر عنه بإن الامر هكذا أصبح يصنع أو يفعل ، أو كما يعبر عنه باللغة الدراجة ( هيجي صارت ) هو يعني ( مفهوم المرحلة ) ، و في الفعل ( عموم الافعال ) تنقسم هذه الافعال وفق مفهوم المرحلة الى : ( داخل المرحلة و خارجها ) ، فأما ما هو داخل فيعني كل السلوكيات و الاساليب و الطرائق التي تنسجم مع الاوضاع السائدة في العمل السياسي و الاداري بل و حتى الاجتماعي و الثقافي ، و هنا سأكون مجبرا على التمثيل على الرغم من قساوة الامثلة على ذلك ، إلا أن ذلك ضروري للايضاح فلا معالجة من غير ألم الدواء ، فمثلا تتشكل الحكومة في العراق على اساس النتائج الانتخابية و هي الوسيلة الديمقراطية في بناء السلطة التنفيذية ، إلا أن ذلك ليس كل شيء ؛ فالانتخابات هي أصلا عملية تجري في معادلات المحاصصة ، فالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي بالاساس تشكلت على اساس المحاصصة الطائفية و القومية و الحزبية ، و الخطاب الاعلامي الذي شكل المحرك للوعي الانتخابي هو الاخر خطاب إيدولوجي ، و بهذا سيعتبر مفهوم المحاصصة هو حالة ( الداخل مرحلة ) ومن آجل التغلب على المحاصصة التي يجمع الكل على انها السبب في كل المشاكل التي تعاني منها الدولة العراقية ، ينبغي أن ترتفع مستوى الجهود التي تمثل ( خارج مرحلة ) وهي عموم الافعال التي تتعالى على الاندماج في الواقع السلبي ، فلا يمكن بإي حال من الاحوال أن تعالج المحاصصة مثلا بمحاصصة آخرى أو بمحاصصة من نوع آخر ، أو بتنميقها عبر إطلاق أسماء إيجابية عنها ، كما حصل في أكثر من مرة بالتعبير عن المحاصصة بـ ( الوحدة الوطنية ، المشاركة الوطنية ، التمثيل الوطني )
خارج المرحلة هو ما نحتاجه لمرحلتنا الراهنة ، رجال و عمل و مؤسسات من خارج مرحلتنا المأزومة هو ما يعول عليه في تجاوز تفشي المحاصصة و الفساد و التخلف و عموم المشاكل و الازمات التي تضرب في كل أركان الدولة العراقية ، و هنا على من يُعول في السلطات الثلاثة في العراق ( التشريعية ، التنفيذية ، القضائية ) ؟ لا مجال للجدل فأهل السلطتين الاوليتين هم قبل غيرهم من يشكو بناء سلطتيهما مما يعبر عنه في الفترة الاخيرة بـ ( عيوب التأسيس ) ، و هذا التعبير على قدر كبير من الوجاهة و الاعتراف الايجابي ، فالسلطتين التشريعية و التنفيذية الراهنتين يمكن إعتبار تأريخ ما بعد العام الفين وثلاثة هو زمن تأسيسهما ، وفضلا عن التصريح بعيوب التأسيس ، فيمكن كذلك الاستدلال على طبيعتهما من الاصلاحات و الحزم الاصلاحية التي صار الحديث عنها هو خطاب الجمهور و المرجعية الدينية و الفرقاء السياسيين منذ أشهر ليست بالقليلة ، إذا و بما أن السلطة القضائية في العراق بمأمن بشكل كبير مما تعانيه السلطات الاخرى على مستوى التأسيس و المنهج و العمل ، فهذا يتيح لهذه السلطة و بمراعاة ما ذكرناه في هذه الحلقات العشرة من هذه السلسلة ، أن تقوم بدور يمثل خارج المرحلة من أجل إصلاح جوهري لكل مشكلات المرحلة .
© 2016 Microsoft الشروط الخصوصية وملفات تعريف الارتباط المطوِّرون العربية