آخر صيحة من صيحات التفنن في الحصول على الفوائد، جاءت من وزراة الاتصالات عبر نصب صناديق البريد في شوارع بغداد والمحافظات، ولم اجد تفسيرا منطقيا واحداً، يمكن أن يبرر هذا الفعل، فهل نحن بحاجة لنصب مثل هذه الصناديق في ظل نظام الحوكمة التي طبقتها اغلب دول العالم ؟ ولعل العراق في طريقه لتطبيقها في السنوات المقبلة، وهل المواطن بحاجة لمثل هذه الصناديق الراديكالية في ظل التطورات الهائلة، وإتاحة وسائل الاتصال عبر الانترنت وبثواني يمكن لأي فرد ان يرسل معلوماته إلى أية مؤسسة، من دون الحاجة لاستخدام صناديق البريد، وحمام الزاجل، وغيرها من الوسائل التي استخدمت في عهد النياندرتال والاقوام المنقرضة ؟
تذكرنا هذه الموضوعة في مقاربة في نظام ما قبل 2003 ايام الأزمات المتكررة التي تحصل في مادتي النفط الابيض والغاز، ومع احدى تلك الأزمات المتعلقة في النفط الأبيض، منعت الحكومة الباعة المتجولين الذين يستخدمون العربات التي تجرها الحمير من السير في شوارع بغداد، ومنها المناطق الشعبية بحجة انها تسيء للواقع الحضاري الذي تعيشه بغداد، ومع اشتداد الأزمة بشكل بدأت فيه تحدث تأثيراً على سمعة النظام في الشارع، سارعت وزارة النفط إلى منح اجازات لأصحاب العربات التي تجرها الحمير والبغال والخيل، وبررت ذلك بأنها جزء من تراثنا العربي، وتاريخ حمورابي ونبوخذ نصر، لذا يتوجب المحافظة عليه، ويبدو أن وزارة الاتصالات حذت حذو ذلك النظام، حين نصبت في شوارع بغداد والمحافظات آلاف الصناديق البريدية في الشوارع، للحفاظ على تاريخ العراق وتراثه الكبير، وقريبا سيتم فتح دائرة لنقل البريد عبر حمام الزاجل، ويمكن الاستعاضة، عن الزاجل بالعصافير لنقل البريد كجزء من تراث العرب، لعدم توفر العدد الكافي من هذه الانواع في البلد، وربما سيكون القرار باستبدال الزاجل بالغراب أو البومة، او من يدري ربما يمكن استخدام البعير بدلا عنه، ليكون نائباً للفاعل في تأدية هذا الدور في نقل الحضارة التي قضى عليها بعض الجهلاء ومصاصو الدماء.