18 ديسمبر، 2024 9:13 م

التنمية البشرية وادارة رأس المال المالي

التنمية البشرية وادارة رأس المال المالي

الاستثمار في تنمية الموارد البشرية أمر هام وضروري، لما للموارد البشرية من أهمية قصوى؛ فهي الثروة الحقيقية والرئيسية للأمم، والأمم المتقدمة أيقنت تلك الحقيقة؛ فأحسنت التخطيط الاستراتيجي، ونفذت برامج محددة لتنمية هذه الثروة على مدى عقود طويلة, ونجحت فيما خططت ونفذت.         
أدت التحولات التى ألمت بعالمنا اليوم الى عديد من المتغيرات شملت جميع نواحى الحياة الاقتصادية، الاجتماعية، التكنولوجية، السياسية، الثقافية، والتشريعية، هذه المتغيرات العالمية تتسم بأنها سريعة ولم تعد تشمل مجالات بعينها ولكنها أصبحت تتسم باتساع النطاق والمجال، ولذلك فان آثار تلك المتغيرات على منظمات اليوم أصبحت تتبلور اما فى تحقيق نتائج أفضل أو العكس اتجاهات “العولمة” الاقتصادية المتمثلة في تزايد الاندماج والترابط بين أجزاء الاقتصاد العالمي وفعالياته المختلفة. وفي ظلِّ تطوُّر التوجُّهات الاستراتيجية و انبثاق حقل الإدارة الاستراتيجية ظهر المفهوم الحديث لإدارة الموارد البشرية، التي لم تعد تلك الإدارة الاستشارية فقط، بل أصبحت جزءً من الاستراتيجية التنظيمية التي تستجيب لمتغيرات البيئة المؤثِّرة على الموارد البشرية، كالمتغيِّرات البيئية القانونية، الاجتماعية، و الاقتصادية، فإدارة الموارد البشرية   هي الإدارة الاستراتيجية المسؤولة عن صياغة استراتيجيات و سياسات الموارد البشرية، بالتوافق مع الفرص البيئية و استراتيجيات الأعمال، بهدف تحقيق المزايا التنافسية بواسطة العنصر البشري. وللتنمية أساسان : فكري و مادي، وهما في تفاعل متبادل ودائم يؤدي إلى التنمية. فمناهج العلم وفرضياته، تخلق الفرص المواتية للإبداع التكنولوجي، بحيث يمكن القول بأن التطور المادي لابد من أن يكون مسبوقا بتطور فكري ملازم له. كما أن الاستمرار في التقدم التكنولوجي من شأنه أن يشحذ الذهن على البحث العلمي المتواصل لاكتشاف المزيد من التقنيات.  يمكن النظر إلى إدارة الموارد البشرية على أنها في نمو متزايد لأهميتها في كافة المنشآت نتيجة التغيرات السياسية والتكنولوجية، وهناك تحديات يجب أن تتصدى لها إدارة الموارد البشرية مثل: الاتجاه المتزايد في الاعتماد على الكمبيوتر في إنجاز كثير من الوظائف التي كانت تعتمد على العامل. وأيضا الضغوط السياسية والاقتصادية والتغير المستمر في مكونات القوى العاملة من حيث المهن والتخصصات، ويجب التأكيد على استخدام المفاهيم الجديدة مثل هندسة الإدارة والجودة الشاملة في مجال إدارة الموارد البشرية. ومع تقدم  العلوم الإنسانية والتكنولوجية، فقد تزايد الاهتمام في عالمنا المعاصر بقضية التنمية التي أخذت معنى آخر أكثر شمولية لا تشكل المعدلات الإنتاجية العالية، ولا مجرد نقل إنجازات العالم المتقدم، السمة البارزة فيه. لقد ارتبطت بتحول فكري وتربوي ضخم يضم سائر الإمكانات البشرية العلمية والثقافية والتكنولوجية الموظفة في خدمة التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها. لذا، فالتنمية بمفهومها الشامل، ليست عملية اقتصادية فحسب، وليست عملية اجتماعية فحسب، وليست عملية سياسية فحسب، وليست عملية ثقافية فحسب، ولكنها مزيج من هذه كلها وغيرها، تحتوي المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وتتفاعل جميعها وتتداخل بعضها مع بعض في إطار شمولي، تهدف إلى تحقيق أهداف تتغير وفقا لما يحتاج إليه المجتمع. وما هو ممكن للتحقيق، وتعمل على تغيير المجتمع نحو الأفضل بجميع وجوهه وكامل تطلعاته.    التنمية عملية توسيع الحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس. وتتضمن الحريات؛ الحرية ضد التمييز، والتحرر من العوز، والتحرر لتحقيق الذات الإنسانية، والتحرر من الخوف، والتحرر من الظلم،  وحرية المشاركة والتعبير، والانتماء السياسي وحرية الحصول على عمل.   ومن خلال جوهر أبعاد التنمية البشرية؛ نجد أن الإنسان لابد أن يكون الوسيلة والهدف النهائي للتنمية البشرية، ولابد أن تصب كل حصيلة انجازاتها لصالحه.                                
           تعتمد المؤسسات على سياسة الاختيار وذلك لوضع الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة من خلال تحقيق التوافق بين متطلبات وواجبات الوظيفة وبين مؤهلات وخصائص الشخص المتقدم لشغل الوظيفة، ونشاط الاختيار ضروري وحتمي لأن هناك فروق بين الأفراد من حيث الاستعداد والقدرات والميول، وأيضا اختلاف من حيث المستلزمات والخصائص العقلية والجسمانية التي تتطلبها، ولذلك من الضروري أن يقوم المسئولون بإدارة الموارد البشرية في جميع المؤسسات بتحليل وتوظيف الوظائف لتحديد الشروط الواجب توافرها في الشخص الذي يقوم بأعباء الوظيفة ثم البحث والمفاضلة بين الأفراد لانتقاء أفضلهم وأصلحهم من حيث توافر هذه الشروط.      إنَّ عملية صنع القرار في المؤسسة لا يمكنها أن تستغني عن إدارة الموارد البشرية، في تزويد فريق التخطيط الاستراتيجي بالمعلومات التي تعبِّر عن حقيقة القدرات البدنية و المعنويَّة للعاملين في المؤسسة، فهذه المعلومات تساعد في صياغة البدائل الاستراتيجية الملائمة، حيث تركِّز هذه البدائل على قدرات العاملين، و إمكانيَّة مساهمتهم في خلق ميزة تنافسيَّة للمؤسسة، دون أن ننسى الجانب المعنوي الذي يُحسِّنه إشراك العاملين في عملية التخطيط الاستراتيجي لمؤسستهم، نتيجة إحساسهم بأنَّ لهم دوراً و أهميَّةً في صنع القرارات الاستراتيجية للمؤسسة، ممَّا يجعلهم ينفِّذون هذه الاستراتيجيات بفعالية أكبر فيما بعد.                                         
زيادة الإنتاجية لا تأتي فقط نتيجة كفاءة الإدارة في استخدام الأساليب الإدارية الحديثة في إدارتها للعملية الإنتاجية؛ بل يتواكب مع ذلك استخدام التكنولوجيا المتطورة والحديثة في تطوير المنتج بشكل مستمر، فضلاً عن الاستثمار في تنمية الموارد البشرية، وتطويرها المستمر، عن طريق وضع البرامج التدريبية المدروسة على أسس علمية؛ للنهوض الدائم والمستمر بالقوى العاملة المتاحة للشركة أو المنظمة، وحرص الإدارة الدؤوب على جودة المنتج وتميُّزه، وهذا يتطلَّب التخطيط السليم، والمتابعة المستمرة للعملية الإنتاجية؛ منذ البداية، وحتى الوصول إلى المنتج النهائي في الصورة المرجوَّة، ويتطلب ذلك من الإدارة أن تكون حريصة على كفاءة الخامات المكوِّنة للمنتج، والآلات والمعدات التي يمر بها المنتج، فضلاً عن كفاءة العمالة الماهرة التي تقوم بالعملية الإنتاجية.                                 
ولعل التحليل المتعمق للأنواع المختلفة من رأس المال التي تحتاجها كل مرحلة من مراحل التنمية يؤدي إلى رصد السياسات والأسباب التي قادت إلى فشل الكثير من حكومات البلاد النامية أو مؤسسات التمويل الأجنبية في تحقيق تنمية مستدامة. ويبدو من المؤكد الآن أن الإكثار من نوع واحد من رأس المال على حساب أنواع أخرى قد يؤدي إلى نتائج ضارة. فلقد أدى الاستثمار الكثيف في المعدات والآلات، في مرحلة استبدال الواردات، إلى أنماط من التنمية لم يمكن إدامتها. كذلك اظهر عقد السبعينيات الذي اتسم بارتفاع أسعار السلع واستعداد البنوك للإقراض وارتفاع مستويات المعونة الأجنبية أن توفر رأس المال المالي قد أدى إلى إعاقة تراكم رأس المال الاجتماعي والمؤسسي، وبروز ظواهر الفساد والرشوة، وهروب رؤوس الأموال من البلدان النامية. وما إن انتهى العقد حتى برزت أزمة الديون العامة الخانقة في البلدان النامية.                
العدالة هي نوع من الحكم الأخلاقي يتعلق بالثواب والعقاب؛ فالعدالة هي إعطاء كل فرد ما يستحقه. والعدالة الاجتماعية تعني توزيع المنافع المادية في المجتمع مثل الأجور والأرباح، وتوفير متساوٍ للاحتياجات الأساسية من إسكان ورعاية طبية. العدالة جانب هام من  التجديد الاجتماعي, فعندما يسمح لمعايير الكفاءة القصيرة الأمد أن تسيطر على التفكير الإنمائي، فإن التأثيرات الاجتماعية لمشاريع أو برامج معينة يتم تجاهلها بصورة متكررة. والتطبيق الناجح للتنمية البشرية المستدامة يوحي ضمنا بإعطاء اهتمام أكبر لمبدأ العدالة كما أنه ينطبق على جانبي العرض والطلب على حد سواء. وينبغي على المانحين أن يتوقفوا عن جعل ميولهم التفضيلية والمزاجية تتدخل في الطريقة التي تصرف بها أموالهم.  فالاستقطاب بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية، والذي رفده سلوك المانحين إلى حد كبير، يخلق حقلا غير ممهد وغير متجانس بحيث تعطى الأفضلية للحكومة أحيانا وللمنظمات غير الحكومية أحيانا أخرى. وينبغي على المانحين أن يساعدوا البلدان المتلقية على خلق وضع تستطيع فيه الحكومات والمنظمات غير الحكومية أن تتنافس على الموارد الخارجية على قدم المساواة. كما ينبغي عليهم أن يسعوا إلى خلق عدالة أكبر في التوزيع الفعلي للموارد بتقوية تلك المنظمات، الحكومية أو غير الحكومية، الأقدر على تحديد وإبراز المطالب المحلية للموارد من أجل استكمال إسهامها الخاص في التنمية. يتوقف نجاح أي مجال من مجالات الأعمال في الآجل الطويل على تخطيط الموارد تخطيطا فعالا، لأن الموارد البشرية بدون شك أهم عنصر في المنظمة، إلا أن الأفراد ينظرون إليها نظرة بأقل أهمية من الموارد الأخرى، ولأن تخطيط الموارد البشرية يمكن آن يساهم بوضوح في تحسين استخدامها. فالعنصر البشري بما لديه من قدرة على التجديد، والإبداع، والاختراع، والابتكار، والتطوير، يمكنه أن يتغلب على ندرة الموارد الطبيعية، وألا يجعلها عائقاً نحو النمو والتقدم، عن طريق الاستغلال الأفضل لطاقات المجتمع العلمية والإنتاجية، فضلاً عن الاستغلال المناسب  للموارد الطبيعية والاستثمارات المتاحة.         
مؤشرات المشاركة والمسائلة والإستقرار السياسي وفعالية الحكومة ذات طابع سياسي ومرتبطة بمستوى ديموقراطية الدولة . ولعل ضعف تأثير هذه المؤشرات في النمو الإقتصادي بالدول العربية مثلا  ينبيء ليس فقط بضعف الهياكل السياسية ذات الطابع الديموقراطي ، وإنما قد يُشير أيضاً إلى عدم ملائمة هذه المؤشرات لثقافة وبيئة المجتمعات العربية ، التي تتصف غالبيتها بضعف الوعي السياسي . وعلى أية حال ، فالنموذج القياسي المُستخدم في هذه الدراسة ، كما في غيرها من الدراسات المماثلة ، يقيس التأثير المباشر لمؤشرات الحاكمية على النمو الإقتصادي . ولكن ، يمكن أن يكون هناك تأثير غير مباشر لهذه المؤشرات لم يتم قياسه . وهذا مدعاة للمزيد من البحث في صلاحية هذه المؤشرات للحكم على علاقتها بالنمو الإقتصادي ، وخاصة في مجتمعات ذات ثقافة متميزة موغلة بالتاريخ ، وليس من السهولة تحويلها الى المستقبل بدون تكاليف كبيرة.