صدر عن دار ومكتبة عدنان المجموعة القصصية (العزف على وتر الفجيعة ) للقاص عادل المعموري ، والتي حوت على عشرين قصة قصيرة ، تنوعت ثيماتها لتشمل حيز إنسانيا واسعا ، مثلت جزء مهم من الواقعية الاجتماعية ، وطرحت الكثير من المشاكل والهموم النفسية والاجتماعية والسياسية ،عبر سلسلة من الأحداث والصور تباينت فيها دلالات الزمان والمكان ، وتنوعت فيها أساليب السرد ، سلط فيها القاص الضوء على جزئيات صغيرة حملت مضامين إنسانية كبيرة ، قد لا يلتفت إليها الكثيرين ، بأسلوب قصصي مشوق استطاع من خلاله الولوج إلى أدق التفاصيل في حركات وسكنات أبطاله ،فالتقط القاص عدة نماذج إنسانية وادخلها ضمن ثيمة قصصية ذات بنية متماسكة ، مما سهل على القارئ تتبع أحداث قصصه دون أي عناء ، عبر لغة سردية استخدم فيها القاص معظم تقنيات السرد الحديثة ، التي مكنته من الحضور ككاتب داخل ثنايا قصصه ، أحدثت هذه التقنيات تنوعا وانتقالات جيدة في السياقات البنيوية لمجوعته القصصية ، لتنتشل القارئ من مستنقع الرتابة الذي قد يصيبه عند غوصه في السرديات المباشرة ، التي طغت على الوجه العام للمجموعة القصصية .
فاستخدم القاص تقنية ( المنلوج الداخلي ) او تيار الوعي الباطني ، بجعل بطل القصة او احد شخوصها في حوار مع نفسه ،مستعرضا ما يدور في خلجاتها ، وهو في حالة ارتباط مشيمي مع الواقع المحيط به ، كما في قصة (رائحة الرماد )، تحدثت فيها بطلة القصة مع نفسها عن همومها اليومية مع زوجها ، والتي دعتها إلى إلى أن تقرر الانتحار حرقا للهروب من واقعها المزري ، غير ان تقنية الارتداد الاسترجاع والاستذكار او ما يطلق عليها بمصطلح (اللواحق ) ،كانت حاضرة بقوة في قصة (من يطرق الباب ) الذي كان بطلها يعاني عزلة قسرية فرضتها عليه العوامل الفسلجية والاعتبارات الاجتماعية ، كونه مصابا بعجز جنسي ساهم في إحداث خلل اجتماعيا كبيرا في حياته ، كانت نتيجته طلاقه من زوجته ، فاختار العزلة في بستان مع كلبه ، يقضي معظم اوقاته فيه في حالة من لارتداد الاستذكار والاسترجاع لماضيه الحزين ، واستخدام مثل هذه التقنية ساعد القاص على اختصار الزمن وطي المسافات ، وشغل حيز كبير من النص الأدبي وسد فراغات في داخله ، مما يولد الشد والإثارة لدى القارئ .
وفي قصص (العزف على وتر الفجيعة ، ذئب الليل ، رصاصة مشتهاة ، نزيف البنفسج ، دماء ساخنة ، وابتدأ المشوار ، للزقاق طقوس أخرى ،عودة الرجل الميت ، طوفان الدم ) ، استخدم فيها القاص أهم تقنية في السرد القصصي والتي اسماها جيرار جينيت (الثنائيات الداخلية للقصة ) .. وهي حالة الارتباط بين زمن القصة وزمن السرد ، وزمن القارئ وزمن الكاتب ، فقد تناول الكاتب في هذه القصص مجموعة من المشاكل والنكبات المعاصرة التي مر بها مجتمعنا العراقي خلال الحروب والحصار الاقتصادي والإرهاب ، بحيث جاء السرد القصصي متوافقا مع الواقع الاجتماعي الذي عاشه ويعيشه الانسان العراقي المعاصر ،مما جعل القارئ في حالة من التعايش الصادق مع الأحداث ، كونه عاش جزء منها وتفاعل معها سابقا وحاليا ، وهذا يخلق نوعا من الإثارة والحميمية بين القارئ والحدث .
وقد تحاشى القاص الاسترسال في السرد ، وتجنب إثقال النص الأدبي بالمفردات والتعابير اللغوية وغيرها من الآفات التي قد توقعه في مطبات لغوية .. لكنه قد يؤخذ عليه ، لجوئه إلى الحوارات الطويلة بين أبطال قصصه ، على الرغم من ان المشهد الحواري جزء من تقنيات السرد ، غير ان حالة الإسهاب في الحوار التي شابت بعض القصص ، والتي تجاوزت حدود ومفاهيم القصة القصيرة ،قد ساهم في إحداث نوع من الإرباك في البناء الداخلي لها ..واعتقد إن لجوء القاص لمثل هكذا أسلوب هو لتسهيل المهمة على القارئ في تتبع أحداث قصصه ومساعدته على فك بعض الشفر داخل نصه الأدبي .
العزف على وتر الفجيعة للقاص المثابر عادل المعموري ، تجربة رصينة حملت مضامين اجتماعية مختلفة ، بلغة سردية معبرة ، كانت في تماس مباشر مع واقعنا الإنساني.