من أسوأ ما شهده العراق بعد الإحتلال الأميركي عام 2003م و لغاية اليوم هو سيطرة المؤسسة الدينية على مقاليد الأمور و أسوأ ما في تلك السيطرة غياب العقل المجرد لأغلبية الشعب العراقي و إيكال الأمور للسيستاني و الذي أصبح يقود الناس بطريقة الفتوى بعيدا عن أي رؤية تحليلية للواقع و قراءة مستقبلية للإحداث و ما يمكن أن ينتج عنها من خلال الربط بين الوضع المحلي و الإقليمي و الدولي و أطراف الصراع و عناصره و عوامله في المنطقة , تلك السطحية و الغباء في إدارة الأمور من قبل السيستاني و التي أخذت سلسلة من الأخطاء التراكمية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليها الآن من إنهيار أمني و اقتصادي و سياسي جعلت من العراق ساحة للصراعات و تصفيات الحسابات بين الخصوم التقليديين و هم كل من أميركا و حلفائها الأوربيين و العرب و تحديدا الخليجيين من جهة و إيران و روسيا و سوريا و حلفائها من أحزاب و مليشيات و جماعات مسلحة من جهة أخرى و التي كان ومازال فيها الشعب العراقي بكل قومياتها و أديانه و مذاهبه هو الضحية فيها نتيجة لتلك السياسات الغبية للسيستاني و التي اختتمها بإعلان الإنسحاب التدريجي عن المشهد السياسي و ترك الأمور على عواهنها بعد أن أركسها في مستنقع اللاعودة . أمام هذه السذاجة و السطحية و الغباء في تفكير السيستاني و التبعية و الإنقياد الأعمى له و تغييب العقل من قبل أغلبية الشارع العراقي كان للمرجع العراقي الصرخي الحسني موقف مغاير تماما في تعامله مع الأحداث و قراءته لها و استقراءه لما يمكن أن ينتج عنها و من أول لحظة لدخول الإحتلال حيث أشار إلى ذلك في إحدى فقرات بيانه رقم (7) – ((عراقنا أرض الأنبياء و شعب الأوصياء )) بتأريخ 30/8/2003 م و الذي أصدره بخصوص أول و أبشع جريمة إرهابية من خلال تفجير سيارة مفخخة حدثت في النجف عند ضريح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) راح ضحيتها العشرات من الشهداء و المئات من الجرحى ,حيث أشار لذلك بقوله : (( … الدول المعادية والتي لا ترغب بإستقرار الأوضاع بالعراق، إما للإختلافات والعداءات الفكريّة والمذهبيّة ، أو المصالح القوميّة العنصريّة ، أو للصراعات السياسية أو العسكرية الإقليمية ،أو لكسب ورقة ضغط تفاوضية أو للمكاسب والصراعات الإقتصادية ، فيحتمل (مثلاً) أن تكون الساحة العراقية حلبة الصراع بين أميركا ودول أَوربّا وإيران وتركيا والسعودية وسورية ودول خليجية وعربية وإقليمية وغير إقليمية ، فينعكس التنافس والصّراع بين الدّول على الساحة العراقية والشعب العراقي ، ومن الدوافع لإثارة الفتن والقلاقل وعدم الإستقرار في العراق، دافع إرباك الأميركان وإشغالهم وإغراقهم في العراق ومشاكله، ليكون وسيلة ضغط على الأميركان لتخفيف ضغوطها السياسية والعسكرية والإعلامية على تلك الدول وعرقلة المشروع الأميركي الذي يُراد توسعته إلى دول أخرى غير العراق….)) تلك القراءة و التحليل و الإستقراء جاء و فق معطيات الصراع و إطرافه و عناصر ديمومته و التي بالأصل هي عوامل لها جذورها التأريخية التي يمكن للقارئ اعتمادها في الرؤية و التحليل و ليس عوامل وليدة اللحظة و من أهم عناصر ذلك الصراع هو تشابك المصالح و الذي جعل من أطرافه المتصارعة تعيش دورات متناوبة من التصالح و التصارع العسكري و السياسي و الإقتصادي و الأمني و تغيير بالتخندقات و المعسكرات من فترة لأخرى و حسب تغيير بوصلة المصالح ,ذلك الصراع اتخذ أساليب متعددة فمرة يكون بالمباشر و أخرى بالنيابة عن طريق أطراف أخرى كما هو الحال اليوم باستخدام تنظيم داعش الإرهابي التكفيري و الجماعات و المليشيات و الحشد الطائفي.تلك القراءات المبكرة للمرجع الصرخي قبل ثلاثة عشر عاما نلمس نتائجها اليوم على الساحة المحلية و الإقليمية و الدولية و لم تكن هي القراءة الوحيدة له بل تبعتها سلسلة قراءات و مواقف تجاه أحداث متتالية لم يرغب الشارع العراقي و قياداته التعامل معها لتكون النتائج كما توقع وحذر.