15 نوفمبر، 2024 5:53 م
Search
Close this search box.

وزارة الحب وزارة الحب

وزارة الحب وزارة الحب

تعقيبا على اخبار استحداث دولة الامارات وزارة جديدة سمتها وزارة السعادة
حينما يستفتى 1700 نفرا في الغرب و يقول اكثر من نصفهم بقليل نعم ، ربعهم يقول لا و البقية تقول الله اعلم، يثبت في العالم عيدا، فتصرخ دوائر الاعلام من كل حدب و صوب و بكل اللغات: انظرو، ان نصف البشرية قال نعم، ربعها قال لا و الباقي يقول الله اعلم، لذا فهو عيد.

مجلس الامن يصدر قراراته على اساس الاستفتاء، الادارة الامريكية تصدر القوانين و تشن الحروب مفوضة بنتائجه، الاتحاد الاوروبي ينهض و يقعد و كأن السماء تكلمت، ثم الوف الضحايا يمكن ان تسقط صريعة مجانا بسبب الاستفتاء المشؤوم.

كم دفع لكل من اولئك الـ 1700 صوتا مكافئة، من اين اتوا، و ماذا قيل لهم قبل و عن الاستفتاء، او من مول الاستفتاء و وقف على مجرياته، فهو من علم الغيب.

مضت 60 عاما و اكثر و الشرق الاوسط بشعوبه من الصين الى المغرب يصيح و يصرخ، ينوح و يلتاع و هو يكتب بدماء الملايين من ابناءه الذين سقطوا في حروبه و صراعاته بالخط العريض على الجدران: يا جماعة الخير اننا نحس ان هناك مؤامرة مستمرة تستهدفنا في رغدنا، ارزاقنا، عافيتنا، بيوتنا، ثرواتنا، اولادنا، مستقبلنا، فرصتنا في الحياة – و لكن ما من احدا يأخذ النداء على اي محمل للجد، ولو على نفس محمل جد 1700 نفرا فقط، حسبت اصواتهم في واحدة من دول الغرب في استفتاء مزور.

عزاء الشرق الاوسط جاء بعد الحادي عشر من سبتمبر حينما انخرطت نصف البشرية و اكثر تعيط على الانترنيت و تقول ان الاحداث اليومية، حال الاقتصاد، و الحرب و السلام في العالم و كيفية توصيفها و تفسيره مجرياتها في الاعلام العالمي و الحكومي، تبدو كلها مجتمعة و كأنها غدت لوحة سريالية فيها لون المؤامرة، نفس المؤامرة، شكل المؤامرة، رائحة المؤامرة، صوت المؤامرة، ايقاع المؤامرة، لغة المؤامرة و دماء المؤامرة، من تفجيرات لندن عام 2005 الى تفجيرات باريس مؤخرا، ظهور ما يسمى داعش، ناهيك عن مجازر المدنيين في امريكا و التي اصبحت ايقاعا ثابتا يمكنك ضبط ساعة معصمك عليه.

اما عن احداث ليبيا، سوريا، العراق و غيرها في السنين الاخيرة – فلا تقل.

وهكذا لم يعد الشرق الاوسط منذ 2001 يعيش كابوسا لا يستطيع الافاقة منه مهما فعل – وحيدا بمفرده، بل اكثر من نصف العالم يشاطره اليوم نفس المنام اللعين، الكابوس الاسود، الذي لا ينتهي من السويد الى شنغهاي الى بالتيمور.

ثم يأتي الخبر الفاجعة من الامارات انها تؤسس وزارة للسعادة!

يا الهي، انها رواية جورج اوريل ذائعة الصيت ذاتها، 1984، التي تنبأ فيها ارويل بعالم يحكمه الاخ الاكبر و كأننا نعيش مجرياتها بحذافيرها و ها هي الامارات تلوي رقبة اسم وزارة اوريل في الرواية، وزارة الحب، و تجعلها وزارة السعادة ضحكا بل قهقهة علينا.

حكام الشرق الاوسط لا يعرفون انهم مضحوك عليهم كذلك حتى اكثر من شعوبهم المذلولة المنهوبة، و لعل تصريح احد كبار المسؤوليين الاماراتيين قبل حوالي السنة عن مشاريع دولته الذهاب الى المريخ كانت كافية لتعطيك فكرة عن البون الشاسع بين الشعوب من جهة و طبقتها الحاكمة من جهة و الطبقة الحاكمة و مهندس الامم من جهة اخرى – الذي بعث رسالة صريحة للامارات في ليلة رأس السنة 2016 في حريق العمارة شاهقة الطول التي قلبت صور دبي على شاشات التلفيزيون في انحاء العالم من واحة السياحة و الاستقرار الى محرقة للبشر و هم احياء – ان اسمعوا، و إلا و الله نقلب لكم دبي بغدادا بين ليلة و ضحاها – ربما لان شيوخها لم يقترضوا اكثر، لم ينصاعوا لامر او تأخروا عن استجابة لتوجيه من لدن الاخ الاكبر.

لا حاجة لوزارة سعادة إلا في دولة قهر، مثلما لا داعي لوزارة حب إلا في جمهورية الكراهية و الدسيسة و الغدر و العذاب.

في العراق الامر ادهى و ادهى، حيث يتقيئ الاعلام في وجوهنا كل صباح اطنانا من طرهات عن ما يسمى الاصلاح و القضاء على الفساد، تحرير المدن من داعش، صفقات الاسلحة، الطوفانات المؤجلة، اوهام عن الغد المشرق، عظمة العملية السياسية و تفاني المسؤولين كذا كذا – بينما تحبس الناس انفاسها اذ تحس ان في الموضوع، يا ناس، مؤامرة.

في اواخر الدولة الرومانية لا اصلاح ظل يرتجى بل زوال العهد الروماني كان النهاية الطبيعية الوحيدة، و في نهاية العهد العباسي كان محتما حدوث التغيير الذي ازف موعده – الخراب، و في اواخر الدولة العثمانية ما كان ممكنا اطلاقا انقاذ الخلافة بل اقتلاعها

من اصولها، وعند انهيار الاتحاد السوفيتي لا ترقيع اخير كان سينفع في انقاذ تجربة وول ستريت في اقامة الاتحاد السوفيتي بل تولية المافيات على ارث 70 عاما من كد و عرق و دماء الملايين من البشر كان النهاية الفاجعة…

اما في العراق فانه وقت التغييريحين اليوم ايضا، المصارف تنظف من احتياطاتها، الممتلكات العامة تباع، النفط يرهن، العملة تترنح، الاجواء تعط سموما، المؤسسات تسرق، الغزاة يعودون و المزيد من البشر يموتون بالالاف مرة اخرى.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات