لايخفى على الجميع مايمر به العراق من ازمات متلاحقة، القت بضلالها على مجمل الوضع العام في البلد، فمنذ سقوط النظام في 2003 ولحد الان، لازال العراق يعاني من عدم الاستقرار، ومن دون الخوض في اسباب ومسببات هذا الوضع ومن المستفيد منه محلياً او اقليمياً او دولياً، ارى من الضروري تسليط الضوء على دور المجتمع الدولي للمساهمة في حل القضايا العالقة في العراق والمنطقة، ولتكون مقالتي هذه باكورة لحلقات اخرى نسعى من خلالها لبلورة صورة لا تشوبها الضبابية عن مواقف المجتمع الدولي ومدى دقة قراراته وصوابها من عدمه.
لقد كان لمؤسسات الاتحاد الاوربي دور مهم في مرحلة ماقبل سقوط النظام في 2003 وما بعده، ولعل تباين مواقف اعضاءه تجاه الحرب الاخيرة في عام 2003، كانت بمثابة اختبار حقيقي لمدى تماسك وترابط هذا الاتحاد، ولكن قبل الخوض في تفاصيل علاقة العراق بالاتحاد الاوربي ومؤسساته والتي لا يمكن حصرها في مقالاتي هذه، لابد من الولوج بمقدمة تعريفية لهذه الشخصية او النظام الفريد من نوعه في العالم.
بعد الحروب المدمرة التي شهدتها القارة الأوروبية، والحربين العالميتين، عم السلام منذ ما يزيد عن 55 عاماً منذ توقيع اتفاقية روما، وكان نتيجة لهذا السلام الاستقرار والرخاء الاقتصادي والنهضة التي يعيشها الأوروبيون طوال العقود الأخيرة، على الرغم من التفاوت بمعدلات الدخول القومية لكل بلد، فارتفع مستوى المعيشة ونمت أسواقها الداخلية وظهرت عملتها الموحدة التي اصبحت تنافس الدولار الامريكي، واصبح لأوروبا كلمة قوية في العالم.
كانت انطلاقة أوروبا نحو الاتحاد قد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ظهرت دعوة من فرنسا في 9 مايو/ايار 1950، كانت بمثابة حجر الاساس للاتحاد الأوروبي، ولبت الدعوة الفرنسية منذ البداية 6 بلدان هي:
بلجيكا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، لوكسمبورغ وهولندا.
ثم بدأ التوسع وزيادة المشاركة وانضمت دول أوروبية أخرى للاتحاد حيث يضم الإتحاد الأوروبي الآن 28 دولة، اخرها كرواتيا، وتسعى تركيا للانظمام الى الاتحاد الاوربي منذ فترة ليست قصيرة.
يتكون الاتحاد الاوربي من:
المفوضية الأوروبية: والتي تهتم بمصالح الاتحاد بشكل عام.
المجلس الأوروبي: ويضم حكومات الدول الأعضاء.
البرلمان الأوروبي : يظم مواطنو كل دولة وحسب عدد السكان، ويتم انتخابهم بشكل مباشر.
وبالاضافة الى المفوضية والمجلس والبرلمان، هناك محكمة العدل ومحكمة مراقبة الحسابات وخمسة أجهزة أخرى، بالإضافة الى 13 جهاز تقوم بالأمور التقنية والعلمية والمهام الإدارية الخاصة.
ان بعثة الاتحاد الاوروبي الدبلوماسية في العراق، تعمل عن كثب مع سفارات 16 من الدول الاعضاء في بغداد، وهناك ايضا بعثة في اقليم كردستان في محافظة اربيل. وتضمن البعثة اتمام المهام في كل من بغداد واربيل، وتعد المحاور الدائم والرئيسي للاتحاد الاوروبي مع السلطات المحلية والمجتمع الدولي والاحزاب والمنظمات واصحاب العلاقة لجميع الامور المرتبطة بفعاليات الاتحاد الاوروبي الخارجية وعلاقتها مع العراق.
تعرض الاتحاد الاوربي الى تحدي كبير إبان الغزو الامريكي للعراق لاسيما بعد موافقة دول الاتحاد الاوربي بقيادة الولايات المتحدة على تمرير قرار مجلس الامن 1441 و قراره ١٣٨٢ المؤرخ ٢٩ تشرين الثـاني/ نوفمـبر ٢٠٠١ بشأن التهديد الذي يتعرض له السـلم والأمـن الدوليـين مـن جـراء عـدم امتـثال العراق لقرارات المجلس وومخاوفه بشأن نشر العراق لأسلحة الدمار الشامل والقذائف البعيدة المدى. حيث شهد الاتحاد انقسامات عدة في مواقف اعضاءه، فمنهم من رفض التدخل العسكري كالمانيا وفرنسا، ومنهم من شارك الى جانب القوات الامريكية كبريطانيا واسبانيا، الا انه سرعان ما استعاد موقفه الموحد بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 ودعمت اتفاقية الشراكة والتعاون في ايار 2012 التحول الديمقراطي في العراق والذي دفعنا لاجله ثمناً باهظاً.
ان اتفاقية التجارة والتعاون بين العراق والاتحاد الاوروبي والتي تهدف الى تعزيز العلاقات بين الجانبين وتحقيق اندماج العراق في الاقتصاد العالمي، كانت اولى بوادر التعاون المشترك مع مفوضية الاتحاد الاوروبي، الا انها اصطدمت بمعوقات كثيرة اهمها عدم استقرار الوضع الامني العراقي فضلاً عن الاقتصادي اضافة الى تذبذب القدرة الشرائية وزيادة نسب الانفاق مقارنة بنسب الايرادات، إضافة الى تأثيرها السلبي على الميزانية الاستثمارية وعرقلة نشاطات التعاون المشترك رغم رصد ميزانية ضخمة للعراق لعل احداها كانت انفجارية لسنوات مضت.
ان الاتحاد الاوربي يعد ثاني اكبر شريك للعراق بعد الولايات المتحدة الامريكية الا ان التجاوب البطيء لقضايا العراق وازماته المتلاحقة اضافة الى تعليق يرنامج الشراكة والتعاون او بطئ سيره اثر بشكل كبير على سرعة وتيرة التعاون بين العراق والاتحاد الاوروبي، وقد يكون السبب في ذلك الوضع الامني والمعركة ضد تنظيم داعش الارهابي، والله اعلم.
لقد ساهمت بعض دول الاتحاد الاوربي في توجيه ضربات جوية بالتنسيق مع الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في حين اكدت بعض الدول على ضرورة توحيد الموقف الداخلي العراقي وحل الازمات السياسية كشرط لدعم القوات العراقية، كما ان بعض الدول قامت بدعم قوات البيشمركة في حربها ضد داعش كايطاليا والتشيك وفرنسا ودول اخرى ابدت استعدادها لذلك عبر بوابة الحكومة العراقية كالمانيا. لقد ساهمت بعثة الاتحاد الاوربي بدعم النازحين داخلياً واللاجئين العراقيين في الخارج وتقديم المساعدات الانسانية لهم عبر مكاتبها التنسيقية، حيث يصل مقدار الدعم الاوروبي المقدم للعراق بأكثر من 60 مليون يورو، ولربما كان للفساد المالي دور في اضعاف قيمة الدعم الدولي المقدم للعراق بالتوازي مع الوضع الامني والاقتصادي المتردي الذي وقعنا فيه نتيجة لسياسات غير مدروسة اعتمدت الية او نظام اقتصادي احادي الجانب. وللحديث بقية….