5 نوفمبر، 2024 12:24 م
Search
Close this search box.

عقوباتكم لا تتناسب مع جريمتنا‎

عقوباتكم لا تتناسب مع جريمتنا‎

منذ تشكيل الدولة العراقية في العصر الحديث ولحد الآن لم يشهد العراق حالة من الإستقرار الطبيعي يمكن أن يعتد بها فلا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أتون أزمة أخرى وأغلب تلك الأزمات هي بفعل القوى والأحزاب السياسية ونتائج لصراعاتها وتكالبها على السلطة في البلاد والهيمنة على مقدراتة البشرية والطبيعية ، والتي غالبآ ماتعصف بنتائجها السلبية على الشعب العراقي في مختلف مجالات ونواحي الحياة وحتى في الحالات التي تشهد هدوءآ نسبيآ وبشائر للإستقرار هي في الحقيقة لا تنم عن إستقرار طبيعي بل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة إذ تدار في تلك المرحلة ومن خلف الكواليس خطط ومؤامرات وتعاهدات معينة تهدف من ورائها كيفية الإنقضاض على سدة الحكم فيتزعزع الوضع مرة أخرى وتبدأ مرحلة جديدة من الصراعات ويبقى أغلب الشعب هو الأداة التي تدفع الثمن ولا يكسب منها شيئآ فليس له فيها لا ناقة ولا جمل بل يكون حصاده منها الرجوع الى الوراء ومزيدآ من المعاناة والتخلف وضياع الحقوق وإرتفاع معدلات الحاجة ، وأحيانآ كثيرة يكون حصاد الشعب منها دماء تستباح وأرواح تزهق وثروات تهدر وطوابير من الأرامل والأيتام نتيجة عنجهية وسادية ونزعات تسلطية وملئ رغبات الغرور والإستعلاء تارة بفعل الحروب التي يقررها الحاكم وتارة أخرى بفعل دكتاتوريته ويصبح الشعب بأجياله المتلاحقة وقود لرغبات ونزعات حكامه .
ومع بداية الألفية الجديدة سلطت الأضواء العالمية على حكومة الإستبداد في العراق لأجل إسقاطها وتخليص الشعب منها ليبدأ مرحلة جديدة مغايرة للعهود السابقة تتجه به كما قيل حينها نحو أفاق الحرية والنظم الديمقراطية ويكون الشعب هو مصدر السلطات وتصبح الخدمات والتوزيع العادل للثروات في مقدمة أهدافه . أناس يحملون جنسية عراقية قدموا مع ركب (المحررين) وكل منهم يحمل في جعبته سيرة ذاتية متخمة بنضالاته ومقارعته للنظام السابق
(وهو معظم حياته قضاها خارج حدود الوطن) وبما أن الشعب كان قد وصل الى نقطة اليأس وكما يقول المثل
( الغرگان يلزم بعود القش ) لذا وضع مقدرات البلاد بيد هؤلاء القادمين معتقدآ أنهم يختلفون عن كل السابقين الذين جثموا على صدره طوال عقود من الزمن وأذاقوه الويلات تلو الويلات ، إضافة الى ما أشيع في الأوساط المجتمعية أن القادمين من وراء الحدود قد طلقوا الدنيا من سنين ويتباكون ليلآ ونهارآ على بلدهم الأم وشعبهم وهم يمتلكون الخبرة والقيادة ويتمتعون بالنبل والإيثار ويتخلقون بالإخلاص والأمانة في إدارة البلد وأغلبهم متحصنين بالدين الحنيف ومتمسكين بتعاليمه الغراء (فسلم الشعب لهم الجمل بما حمل ) وبقي ينتظر وينتظر وينتظر عسى أن يتلمس إنجاز معين أو يتحسس وجود لأي مشروع يذكر أو تنفيذ خدمة معينة أو أي مقدار يرفع عن كاهل المواطن معاناته ، إلا أن الصدمة كانت بالغة والمفاجأة لم تكن بالحسبان فكل شيء أصبح يسير الى الوراء فلا خدمات ولا إنجازات ولا حقوق ولا أمن ولا أمان في قبال ميزانيات إنفجارية تقدر بمئات المليارات من الدولارات تدون فقط في الأوراق وتحسب فقط في اللسان ويصرح عنها فقط في الإعلام ، وهكذا دواليك إنقضت 12 عامآ والشعب في واد وهؤلاء القادة الجدد في واد وأصبح يندب حظه من جديد فما عاشه بالأمس أحسن من يومه واليوم أفضل من غده ويبقى المستقبل مجهول وما زاد الطين بلة وحصل في البلد مالم يحصل طيلة 100 عام إذ وقع إحتلال لنصف البلد من قبل عصابات إجرامية وتنظيمات إرهابية رافقها وصول البلد الى حالة الإفلاس ووقوفه على الأبواب فسارع القادة ليضعوا الشعب في الواجهة ويتكفل من جانب محاربة المحتلين الجدد مهما كانت خسائره البشرية فقد إعتاد شباب هذا الوطن على الموت قبل أوانه ومن جانب أخر يتحمل  الإفلاس في خزينة الدولة وليتهيأ للتقشف وإضافة لكل هذا عليه أن يساعد الحكومة من قوت يومه الذي لم يكن بالأصل يسد جوعه ويروي عطشه . ولربما سائل يسأل لماذا لم يطالب الشعب بحقوقه مادام يعيش في ظل حكم ديمقراطي فالجواب هو كثيرآ ماطالب الشعب بحقوقه وتظاهر من أجلها وسالت دماء أبناءه في العديد من التظاهرات وأعتقل من أعتقل وجرح من جرح وهرب من هرب ولم يبالي بهم أحد والسبب في ذلك أن القادة الجدد ومن جاء معهم ومن يلوذ بهم ومن يطبل لهم يعتبرون الشعب العراقي الذي بقي داخل الوطن ولم يهاجر مثلهم وليس لديه جنسية مزدوجة يعتبرونهم من الدرجة الثانية بل أحيانآ تتعدى هذا التوصيف الى الإدانة الأعمق حيث يصفونهم بأنهم من أتباع النظام السابق ماداموا رضخوا للبقاء في العراق وإعتبروها جرمآ وعارآ ولا يحق لهم أن يتمتعوا بحياة كريمة ، ولربما على ضوء هذه الجريمة يعاقبون الشعب العراقي هذه العقوبة اللاأخلاقية بالمرة ويستباح فيه كل شيء من سلب لثرواته وتحطيم لنسيجه الإجتماعي وتدمير لبنيته التحتية وتشريد لأبناءه ولربما يصل الأمر الى تقسيم أرضه وسماءه .. هل إقترفنا جريمة لحبنا لوطننا وتمسكنا به والبقاء فيه ؟ أعتقد هذه الجريمة لا تستوجب كل هذه العقوبات ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات