إن العلاقة الحميمة التي نشأت في الآونة الأخيرة بين تركيا والسعودية تتعدى علاقات التعاون الطبيعية بين دولتين من أجل خدمة ومصالح شعوبهم ومجتمعاتهم بعيداً عن تشكيل أي خطر أو على حساب مضرة وإساءة الآخرين، لكننا لاحظنا أن هذه العلاقة تطورت إلى درجة تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي بين الدولتين المذكورتين، ويبدو أن لكل منهما أسبابها ومصالحها، فأن حكومة أردوغان دوماً وعلى طول الخط لها معيار وبُعد كردي لجميع حساباتها ومقاييسها أي عدائها الواضح والصريح ضد طموحات وحقوق الشعب الكردي أينما وجدت، لقد صرح أردوغان أكثر من مرة مقولته المشهورة: «لا قضية كردية في تركيا بل قضية إرهاب»، بينما السعودية فهمها الرئيس وشغلها الشاغل هو إضعاف إيران ومشروعها التوسعي الشيعي في المنطقة، وبالتالي فأن كلاهما ينطلقان من معادلة توازن القوى السنية في المنطقة وخاصة في سورية والعراق المنهمكتين في أزمتيهما.
لذلك رأينا أن السعودية عرفت تماماً التوقيت المناسب لإنشاء وتأسيس هذه العلاقة الاستراتيجية مع تركيا كونها أتت في أوج التوتر التركي ــ الروسي بعد إسقاط تركيا المقاتلة الروسية مع حرص السعودية لعدم تصعيد أو إثارة أي خلاف مع روسيا، كون روسيا أيضاً تعهدت للسعودية بعدم التدخل في اليمن ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع صالح، لذلك مهما أختلف الرياض مع موسكو في الشأن السوري أو الإيراني فالسعودية تبقى ملتزمة بالحفاظ على تلك العلاقة بسبب تحالفها ضد الحوثيين وصالح، كما أن روسيا أيضاً تريد الحفاظ على هذه العلاقة طالما السعودية لا تريد منها فك ارتباطها وتحالفها مع إيران وسوريا، لوجود مصالح مشتركة ومتبادلة مع بعضهما البعض.
بينما تركيا وشخص أردوغان وحزبه يرى بأن التحالف الدولي وروسيا يدعمان مقاتلي الكرد في إطار الحرب على حلفاء أردوغان من داعش وجبهة النصرة والقاعدة، وكل تنظيم يتعاون مع هذه المجاميع الإرهابية، ويضربان احتجاجات أردوغان عرض الحائط بخصوص دعم مقاتلي الكرد ضد حلفائه الإرهابيين، لذلك أن أردوغان يشكك حتى في دول حلف الأطلسي “ناتو” بقدر ما يشكك في التحالف الغربي الذي يقوده أمريكا والتدخل الروسي في سوريا عندما الأمر يتعلق بالكرد وقضيتهم القومية العادلة.
لقد رأينا الكثير من التناقضات والتخبطات في خطابات أردوغان ورئيس حكومته داوود أغلو حيث صرح أردغان قبل فترة أن تدخل قواتنا العسكرية في العراق هو من أجل ضمان أمنها ومصالحها، حيث قال: ” … هنا يوجد عرب سنّة، ويوجد تركمان سنّة، ويوجد أكراد سنّة، فمن الذي سيحفظ أمن هؤلاء؟، هم بحاجة لحماية أنفسهم عبر برنامج التدريب الحالي، وكل الخطوات التي نقوم بها هي في هذا الاتجاه…”، أن انتهاك سيادة العراق ليس خرقاً من وجهة نظر أردوغان وحكومته، بينما تجاوز الطائرة الروسية بضع ثوان الأجواء التركية هو انتهاك
وخرق فاضح لسيادة أردوغان وحزبه، هنا نسأل: لماذا في تلك الفترة لم يحافظ أردوغان على أمن وسلامة ومصالح العراق ولم يحارب داعش، واضح وضوح الشمس مدى تخبط أردوغان وهو يفقد بوصلته وبالأخص في خطواته الخارجية الأخيرة ففي العراق مثلاً لم يواجه تنظيم داعش ولم يحرك ساكناً للدفاع عنها عندما غزا داعش العراق، مع العلم أن داعش سيطر على مساحات واسعة من أراضي العراق أمام مرئى ومسمع أردوغان وحكومته، أن تصريحات أردوغان المذهبية ونعراته الطائفية لم نرى هكذا تصريحات وبهذا الشكل العدائي الصارخ وبهذه العنجهية الفظة لا في عهد الامبراطورية العثمانية ولا في عهد السلطان سليم الأول، لا بل وصل الأمر به عندما وقع أكثر من ألف أكاديمي تركي وأجنبي على عريضة ضد قمعه للكرد في كردستان الشمالية، حيث قال أردوغان بالحرف: «ليسوا متنورين بل ظلاميون وجهلة».
إذاً، فإن فكرة إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي الأعلى تخدم البلدين في هذه اللحظة من التحديات والصعوبات التي يواجهانها، لكن لكل حسب رؤيته.