إن قرار السيستاني بالإنسحاب من المشهد السياسي العراق وعدم إبداء رأيه في العملية السياسية العراقية لم يكن قرار غريب أو مفاجئ بل كان متوقعاً عن كل مراقب للمشهد السياسي والعملية السياسية وما صاحبها من أزمات أمنية عصفت بالبلد منذ عام 2003 والى يومنا هذا, وهذا القرار إن دل على شيء فإنه يدل على الفشل الذريع الذي منيت به مرجعية السيستاني في كل خطوة اتخذتها في العراق, لذلك قررت الانسحاب والإنزواء في ” الدربونة ” في خطوة منها للتنصل عن المسؤولية التي تتحملها عن كل ما يحصل في العراق .
فالمشهد السياسي والعملية السياسية أثبتت فشلها وأصبح الشعب العراقي ناقم على جميع الكتل والأحزاب السياسية المشتركة في هذه العملية و وبما أن الشعب أصبح على يقين تام إن هذه العملية السياسية وكل النتائج الفاشلة من فساد عصف بكل مرافق الدولة الأمر الذي أدى إلى شبه إفلاس خزينة الدولة, وتدهور الوضع أمني, وتوالي الإحتلالات على العراق هو بسبب مرجعية السيستاني التي أوجبت انتخاب هؤلاء المفسدين ودعمت الاحتلالين الأمريكي والإيراني, وكذلك موقفها المؤيد لدستور ” برايمر ” الذي تجلى بفتوى الوجوب بالتصويت عليه بــ” نعم “, كما ثبت للشارع العراقي إن هذه المرجعية حاولت ركوب موجة التظاهر من أجل تخدير المتظاهرين والتقليل من عزمهم, فهذا ما دفع بها إلى الهروب والتخلي عن التدخل في الشأن السياسي.
وهذا التراجع والهروب الناتج عن الفشل, جاء من أجل الإلتفاف على الشعب وإيقاعه بوهم جديد من أوهام هذه المرجعية الفارسية, فهي تريد أن تبين للشعب إنها على تقاطع وخلاف مع الطبقة الحاكمة كما فعلت ذلك سابقاً مع السفاح المالكي, وهي خدعة لم تعد تنطلي على العراقيين, فالكل يعلم إنها تظاهرت بالخلاف مع الإمعة المالكي, لكن واقع الحال يثبت إنها كانت من أشد المؤيدين والداعمين له, وهذا بإقرار المجرم المالكي نفسه وكذلك من خلال الدعم والتعاون بينه وبين زعيمي عصابة السيستاني في كربلاء ” عبد المهدي الكربلائي وأحمد الصافي ” واللقاءات المستمرة بينهم, ونجحت بالفعل مرجعية السيستاني بهكذا خطوة من إيهام السذج من الشعب بأنها لم تدعم المالكي بينما تغافلوا عن إنها هي من حرمت التظاهر ضده في عام 2011, لذلك قررت أن تعيد الكرة لكن بسيناريو مختلف فهي لم تشخص أحد وإنما قررت العزلة السياسية.
وهذا الموقف يذكرنا بموقفها أيام معركة النجف, فهي لم تتخذ أي خطوة وإنما قرر السيستاني الهروب إلى بريطانيا بحجة تلقي العلاج, وترك العراقيين تحت وطأت الإحتلال الأمريكي, وهي الخطوة ذاتها التي إتخذها أيام حكم المالكي السفاح, الذي أخذ يقتل ويسفك بدماء العراقيين والسيستاني هرب بحجة إنه على خلاف مع هذا الدكتاتور الذي صنعته مرجعية السيستاني بمواقفها, واليوم يتكرر المشهد مرة أخرى.
كما يجب الإلتفات إلى أمر مهم لعله لم ينتبه له أحد, وهو : إن السيستاني قرر الإنزواء والهروب بعد أن ثبت فشل فتوى ” الجهاد الكفائي ” التي تشكلت على ضوءها مليشيا الحشد التي عاثت بأرض العراق الفساد لتكون شريكة لتنظيم داعش في تدمير العراق وسفك دماء العراقيين ونهب خيراته وثرواته, وهذا ما جعل الأصوات العراقية الوطنية الشريفة أن تطالب بتجريم السيستاني وتحميله مسؤولية جرائم تلك المليشيات الإيرانية, خصوصاً بعدما صرح المرجع العراقي الصرخي خلال حوارِ له مع صحيفة العربي الجديد ((إنَّ الحديث عن الحشد وما يصدر عنه، لابد أن يستندَ ويتأصّلَ من كون الحشد، جزءاً من المؤسسة العسكرية وتحت سلطة رئيس الحكومة وقائد قواتها المسلحة، وقد تشكّل بأمر وفتوى المرجع السيستاني، ولا يمكن الفصل بين الحشد والسلطة الحاكمة والمرجع وفتواه, من عنده كلام عن الحشد وأفعاله من ذم أو نَقْدٍ أو اتّهامات بتطهيرٍ عِرْقِيٍّ طائفِيٍّ وتهديمِ مساجد وتهجيرِ عوائل وأعمال قتل وسلب ونهب، وغيرها من دعاوى واتهامات، فَعَلَيْه أن يوجّه كلامَه وسؤالَه ومساءلتَه لشخص السيستاني، مؤسّسِ الحَشْد وزعيمِه الروحي وقائِدِه وصمّامِ أمانِهِ)), هذا التصريح للمرجع العراقي الصرخي والذي رافقه حملات من على مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع والصحف والمجلات الألكترونية تحمل السيستاني مسؤولية جرائم الحشد الطائفي, إضطر بالسيستاني إلى الهروب والإنزواء.
وما يضحك بالأمر وفي الوقت ذاته يكشف إن هذه المرجعية الإيرانية لاتهتم للشعب العراقي, هو تصريحها بأنها “لا تتحدث بالسياسية إلا عند الضرورة ” !! فهل غفلت هذه المرجعية إن الأحداث في العراق – سياسية, أمنية, إقتصادية, إجتماعية …إلخ – هي يومية وتحتاج إلى موقف واضح يصدر ممن يتصدى لعنوان المسؤولية الدينية ؟؟!!.
هل عمليات القتل اليومية التي تمارسها المليشيات الإيرانية التي تشكلت بفتوى السيستاني لاتعد حدثاً و تطوراً مهماً يجب التطرق له ؟! هل الفساد وعمليات السرقة والسلب والنهب لثروات العراق التي تقوم بها الأحزاب والكتل السياسية والتي وصلت للحكم بفتوى السيستاني لاتعد حدثاً و تطوراً مهماً يجب التطرق له ؟! هل صمت الحكومة وتهميش مطالب المتظاهرين لاتعد حدثاً و تطوراً مهماً يجب التطرق له ؟! هل الدخول الأمريكي للعراق لاتعد حدثاً و تطوراً مهماً يجب التطرق له ؟! وهذا الأخير يولد لدينا تساؤلاً ونبحث عن الإجابة عليه, والتساؤل هو : لماذا بعد دخول قوات الإحتلال الأمريكي بشكل واسع وكبير إلى العراق في هذه الأيام قرر السيستاني الانسحاب؟!.