17 نوفمبر، 2024 9:46 م
Search
Close this search box.

الحل الأمثل لإصلاح العراق و العراقيين حصن الأمة و سور الوطن‎

الحل الأمثل لإصلاح العراق و العراقيين حصن الأمة و سور الوطن‎

كثيرةٌ هي تلك النداءات التي تدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة و الانشقاق عن الجماعة ، لكنها لاتعدو إما أصواتُ صخبٍ كردةِ فعلٍ على واقعٍ مزرٍ ، أو للحصول على مُنجَزٍ في إطار التنظير بعيدًا عن واقع التطبيق لأجل البقاء في دائرة الاهتمام من دون ملامسة للهدف الحقيقي فضلا عن بلوغ المُراد ، أمنياتٌ في أمنيات .

وليس عجبًا أن يُستصعب الحلُ علينا في هذه المسألة بعد أن احتدمَ الصراعُ وبلغَ أوجه بدءً من الذاتِ وانتهاءً بالمؤسسة الاجتماعية و الحكومية ، لكن لاعجب لذلك إذا ما علمنا أن صوت القرآن قد نُحيَّ جانبًا على الرفوف نُليِّنُ به قساوةَ القلوب عند زيارة القبور ويحلُّ ضيفًا عزيزًا مع قدوم ضيوف الرحمن في شهره الكريم ، دستورٌ إلهي أضحى بعيدًا عن واقعنا .

بيد أن هذا الدستور قد قدَّم لنا الحل وهو بأيدينا ؛ قال تعالى : ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) [آل عمران: 104]  ، والتمعُّن في دلالة كلمات هذه الآية ، يضع النقاط على الحروف في مقاربة الحل ؛ فعبارة ( ولتكُن ) هي صيغة أمر من لام لأمر المقترنة بالفعل المضارع ، وهي تمنح دلالة الأمر من القوة ما لاتوفره صيغة فعل الأمر ( كونوا ) التي تقتصر على طلب تحقيق الفعل على مستوى الوجوب ضمن دائرة المستقبل فحسب ، في حين أن دلالة الفعل المضارع ( ولتكُن ) يقدم هذه الدلالة الوجوبية ويجعلها في حيِّز دائرة الحال فضلاً على المستقبل ، ويؤيد ذلك أن الدعوة إلى الخير جاءت أيضًا بصيغة الفعل المضارع ( يدعون ) ، بمعنى أن تكون الأمة على هذه الحال من الدعوة إلى الخير في الأمر بالمعروف والنهي عن النكر الآن وغداً وفي كل وقت على مستوى الاستعداد و الأداء ، الكلمة الأخرى في الآية هي ( أمَّة ) التي تؤطر هذا العمل الوجوبي في إطار الجماعة ، وهو مايلمح أيضًا أن العمل الفردي في ممارسة هذا الدور لايؤتي ثماره بالقدر الذي نحصل عليه إذا ما مورس من قبل الجماعة ، وكأن العمل الفردي سيبتعد عن ملامح الحل ، فالأمة مُكلفةٌ بهذا التوجيه بأن تقوم به وهي مجتمعة عليه في نسقٍ واحد لا أن يأتي به أفرادُه متفرقين ، فالممارسة وإن كانت متفرقة لكن الامة ينبغي أن تكون مجتمعةً على موضوع واحد تأمر به ثم تنتقل إلى ممارسة هذه الوظيفة مجتمعة على موضوع آخر وهكذا ، وهوما يجعلنا أمام آفاق البعد التنظيمي الذي يطرحه القرآن الكريم في إصلاح الأمة ، وإذا ما قامت الأمة بهذه الممارسة المنظمة المتزنة في مواجهة الانحراف من جهة و بناء الإنسان الصالح من جهةٍ أخرى فستجد لها موطأ قدمٍ مع المفلحين ؛ وهو ما أشارت إليه ( أولئك هم المفلحون ) ، وحينما ندعي أن ممارسة هذه الوظيفة يمنح الأمة الحصانة اللازمة عن التشرذم والتفرق و الخسران المبين فإننا لم نأتِ ببدعٍ من القول ؛ ولنا على هذا الزعم دليلان :الأول : أن الدعوة إلى ممارسة هذه الوظيفة الجماعية المنظمة جاءت في سياق لغوي متصل بآية أخرى تحذر من التفرق و الانقسام ، وهي قوله تعالى : ((وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  )) [آل عمران: 105] ، هنا جاء النهي في سياق متصل مع الآية الأولى بالنهي عن التفرق و الاختلاف ، ومفهومها أننا إذا تركنا أداء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فإننا سنكون فريسةً للتفرق و الاختلاف وسوء العاقبة ، وعبارة ( لاتكونوا ) فيها إيحاءٌ أن هذه النتيجة هي سنةٌ إلهية جرت في الأمم السالفة ولذلك لايُرادُ لنا أن نكون على هذه الشاكلة من سوء العاقبة .

الثاني : نلمسه في سورة العصر ؛ وهو أن الخسران سيشمل الأعم الأغلب من بني النوع الإنساني سوى فئةً واحدة وهي مَن تتواصى بالحق وتصبر عليه ؛ (( والعصر –  إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ – إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) [العصر:1-3] فالتواصي هنا وردت على صيغة المفاعلة وأبرز معانيها المشاركة التي تُبرز العمل الجماعي في قول كلمة الحق وكذلك الصبر عليها وإلا كنا من الخاسرين ، وهي تقترب في دلالتها من الخسارة التي ستنزل بالأمة إذا تركت الدعوة إلى الخير ، ولعل أبرز معاني هذا الخسران أن نخسر حقنا وجودًا و بقاءً ؛ لأن الحق إذا لم يتم التواصي به و التواصل معه جيلاً بعد جيل و بين عامة الجيل الواحد أي التحرك به أفقيًا و عموديًا فإنه يضيع كما ضاعت حقوق كثيرة أهمها حق الوطن و المواطنة .

وتأتي أهمية أداء هذه الوظيفة من التواصي بالحق و الدعوة إلى الخير في أكمل مظاهرها بأنه لاقيمة للإيمان إذا ما كان مجردًا عن التطبيق لها ؛ والعجيب في الأمر بأن الاسلوب القرآني لطالما كان يربط بين الإيمان والعمل الصالح مقدمًا الإيمان أولاً على صلاح العمل في آياتٍ عديدة استهلت مطلعها بـ (( الذين آمنوا و عملوا الصالحات )) ، لكنه حينما يتحدث عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر نجده يُقدِمُه على الإيمان في مفارقةٍ مهمة في قوله تعالى : ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ))              [آل عمران : 110]  وقد يكون في ذلك أثارةٌ لاهتمام المتدبر أنه لاقيمة للإيمان بل إنه لن يبقى في دائرة الصمود أمام التحديات التي ستعصف به من مظاهر الانحراف المجتمعي مالم يتحول هذا الإيمان ويُترجمُ إلى أداء العمل الصالح و النهي عن مخالفته .

والتطبيق الصحيح لهذه الممارسة المجتمعية يضع بين أيدينا عددًا من النتائج يأتي في طليعتها:

–      إنّ الأمة التي تنتهج هذه الممارسة منهجًا حياتيًا سيُحصَّن أبناؤها من الانحراف ، الأمر الذي يُعزِّز عندهم احترام ذواتهم ومن ثمَّ سينعكس في احترامهم للآخرين ومن هنا تنشأ اولى خطوات حب الوطن القائم على أساس حب أبنائه .

–      تأسيسًا على ما تم ذكره ؛ بأن المُضيَّ قُدُمًا في هذه الممارسة سيجعلُ أبناءه متماسكين فيما بينهم مستعدين للدفاع عن كل ما يعترضه من أخطار ، وهو مايُكرِّس مفهوم الوطنية و المواطنة في حياتهم ، والاستعداد للتضحبة من أجله وعدم القبول بخيانته بأي حالٍ من الأحوال فالولاء للوطن من أساسيات هذه الوظيفة .

   ولكي تأتي ممارسة هذه الوظيفة ثمارها لابد أن يسبقها تحقيق الصلاح و الفلاح على المستوى الفردي ، وهو ما أشارت إليه الآياتُ الكريمة في أولى سورة البقرة من الصلاة والزكاة والإيمان بالغيب والرسل فهي ممارسات عبادية يغلب عليها الطابع الفردي وفي النهاية يتحقق الفلاح ((أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  )) [ البقرة : 5 ] ، ومن هنا تأتي ممارسة هذه المنهجية القرآنية التي تبدأ بإصلاح الذات لتنتقل إلى تطبيق الدور الإصلاحي على مستوى المجتمع لتقطع الطريق على الفاسدين ، وما يمر به عراقنا الحبيب إلا نتيجة بعدنا عن ما يُقدمه لنا القرآن الكريم من حلول ، فالأمة متجردة عن قيمها منحدرة نحو هاوية الانحراف ، ما أفرز قائمةً سوداوية من الفاسدين ممن يدعي حب الوطن ليبيعه في المزاد السري ، و الوطن بيع في سوق النفط بإيدٍ تُسمَى عراقية و العراق منها بريء ، فالحل بأيدينا بأن نحصن ذواتنا من الانحراف لنكون سورًا في مواجهة الفتن ، وتبني منهج العمل الجماعي في التواصي بالحق حتى النفس الأخير ، وحقُّ العراق في أعناق الجميع  .   

أحدث المقالات