17 نوفمبر، 2024 11:48 م
Search
Close this search box.

بنهاية “داعش تتوجه الهمم الشيعية والسنية لبناء العراق

بنهاية “داعش تتوجه الهمم الشيعية والسنية لبناء العراق

المجتمع أحبط الحرب الأهلية بتآزره تاركا وراء ظهره الطروحات السياسية المحفزة بإتجاه التصعيد الطائفي

قرأنا في متون الكتب التي توثق لتاريخ السياسة والاجتماع، أن الاهداف والمرامي، النابعة من داخل وخارج المجتمع، لا تمر وتستحكم من صيرورته، الا بعد تمزيق الولاء الوطني المطلق، لدى الفرد، وإحلال الإنتماءات الفئوية النسبية، بدائل عنه، وهذا ما شهدناه بعد الوهن الذي أصاب السلطة في العراق، عقب 9 نيسان 2003، بتمزق إدارة الدولة العراقية، متوزعة بين طوائف وقوميات.. وأحزاب طائفية وقومية، لا محل للستراتيجية الوطنية، ضمن إيديولوجياتها.

تتعمق المشكلة، عندما تتخلى تلك الايديولوجيات عن خصوصيتها العراقية، متشرذمة تبع دول إقليمية، لديها خطط عمل نابعة من مصالحها الوطنية الصرف، في أن تعادي من يتقاطع معها وتتقارب مع من تشاء، صابة حمم صراعها على الساحة العراقية، التي وضعها السياسيون المحليون، بخدمة تلك الدول التي تطرح نفسها راعية للولاءات الطائفية والقومية، في وقت ترعى فيه مصالحها، وتكرس صراعاتها، ضد غرمائها السياسيين في العالم، بإتخاذ العراق جبهة مواجهة، إنساق معها السياسيون إستجابة لمنافع شخصية بوأتهم مناصب، مرتبطة بالعمل لدول المحيط الايديولوجي المتصارع من حولنا؛ ما يضطرهم لمواصلة التأليب ضد نظراء مرجعياتهم الخارجية وتكريس البلد لحماية مصالحها؛ كي يدعموا مناصبهم.

تخبطات جهول

وبهذه الكيفية،إنبثق الصراع الطائفي، بين الشيعة والسنة، في العراق، بإعتبارهما أقوى كتلتين في بنية المجتمع العراقي، بعد تحييد الطرف الثالث في القوة، وهم الاكراد الذين حصروا قضيتهم في السعي لإعلان كردستان دولة مجاورة، بشكل أقصاهم عن الصراع المتداخل الخنادق، الى وضوح الحدود الحامية لمصالح الدولة المرتقبة، وراء جبال كردستان، ذات الأبعاد الاقتصادية والجغرافية المعزولة، الصالحة لتكون وطن الميعاد والمرفأ الآمن.

ولهذا شب الاحتقان الطائفي، متركزا في بغداد ومحافظات الانبار والموصل وديالى،على شفى حافة الحرب الاهلية، لولا العناية الإلهية، في ظل إهمال الأمن، والتأليب بإتجاه الحرب الأهلية، في إجراءات ربما مقصودة او ناتجة عن تخبطات جهول.

بالنتيجة وقانا الله شر الحرب الأهلية، بتآزر المجتمع، وإلتفافه حول تبادل المحبة بين مكوناته، تاركا وراء ظهره، الطروحات التصعيدية، الى أن جاءت “داعش” من وراء الحدود، لتحتل الموصل والانبار وصلاح الدين، مدعومة بحاضنة شعبية في اول الامر؛ بإنتظار إنتشال المجتمع من الفساد، ثم تنافت تلك المحافظات مع “داعش” عند إنكشاف توجهاتها السلفية التي تغتصب الراهن لصالح ماض غير قابل للتجدد مستقبلاً.

نيابة عالمية

تقوضت “داعش” ولم يعد وجودها في العراق سوى قضية وقت، بمعنى أنها سائرة الى زوال، يمحو معه آثار الإرهاب العالمي، وهذا جزء من تخبطات الشخصية العراقية، التي حاربت إيران على مدى ثماني سنوات نيابة عن دول لها مصالح في تفنيد مشروع الثورة الايرانية، التي جاء بها الخميني، عام 1979، والآن نحارب “داعش” نيابة عن العالم؛ بغية القضاء عليه؛ كي يبدأ مشروع جديد لتنظيم العالم.

في حين بالامكان ان نكون جزءا من المنظومة العالمية لمحاربة “داعش” وليس المقاتل الوحيد، وعلى أرضنا؛ لأن القضاء على الارهاب، متمثلا بـ “داعش” كأحدث تمظهراته، التي بدأت بالقاعدة، وورثتها “داعش” يعد هزة حرب إستنفدت دماء الشباب وميزانية الدولة، شكلت مخاضا عسيرا، لا يقل عن تغيير حكم صدام حسين، بديمقراطية نظرية تحولت الى فسادٍ.. إجرائياً.

ما يعني ان إنتهاء العراق من ملف “داعش” بمساعدة دولية مشهودة، يخلق إستحقاقات توجب إجتثاث منظومات إشتغال، وإيجاد بدائل عملية تنتشله من التحرزات الطائفية العالقة، منذ إحتقان 2005 الذي إشتعل على حدود الحرب الاهلية، من دون أن يلج ذاك النطاق، الذي لن يبقي ولن يذر.

بهذا ستكتمل الافادة من هزيمة “داعش” بإعادة النظر في الاسباب التي جعلت العراق ساحة لإستقطاب الصراع العالمي، ومنها الخلافات الطائفية، التي لن يبقى لها محل في الحوار، عندما تبدأ عمليات البناء العمراني والاجتماعي، لمرحلة ما بعد “داعش” بإعتباره داهم الجميع، ولم يكافئ سنيا او يعاقب شيعيا، إنما كل عراقي الهوى، كان هدفا مباحا لـ “داعش”.

ورق يابس

بعد زوال غمة “داعش” لن يبق محل لمناقشة شؤون العمل السياسي من منظور طائفي، إنما هي “خضة” عنيفة، اسقطت الورق اليابس من شجرة العراق؛ كي يستعيد خضرته الوارفة، بالمعنى العملي للوطنية، وليس الشعارات المناوئة للواقع.

آملا أن يتعاون المجتمع الدولي مع الهمم الاصلاحية الجادة، في العراق، بعد “داعش” لإعادة بناء حضارته.. إقتصاديا وإجتماعيا وعمرانيا، وهذا شأن قابل لإستقطاب الاستثمارات، بتخطيط حقيقي نزيه من الداخل، ودعم دولي جاد.

فالإستثمار هو العصا السحرية التي توقف التداعي الاقتصادي في العراق، وترتقي به، ولا أظن سعة إنتشار الخير وجدية العمل، تبقي مساحة للتفكير الطائفي في الصراع، بين شيعة وسنة، خاصة وان كردستان لم تدع شأنا عالقا بينها والحكومة المركزية، لمطواعية الطرفين في تحويل ما يتفق بشأنه، الى واقع ميداني، سواء بالمكوث إقليما فيدراليا، ام الإنفصال دولة كاملة العضوية في الامم المتحدة، دأبا على الإقتداء بجنوب السودان (لكن من دون الحرب التي تلت طرفي السودان في ما بعد إن شاء الله) ليحسم الصراع الشيعي السني بتوافق غير معلن، على العمل الجدي، لترميم الوطن والارتقاء به، في ظل التعافي المتزايد لأسعار النفط.

أحدث المقالات