تركيا خسرت الكثير وربحت القليل، وهي تدفع الثمن حاليا فقد خسرت في مصر عندما راهنت على حركة دينية، ولم تلتفت الى الدولة في المعادلة فتحالفت مع الحركة وخسرت الدولة، وعندما إنهارت الحركة تحاول أنقرة مغازلة الدولة المصرية التي تعتمد نظام مؤسسي فاعل. في تونس لم تربح فحليفتها النهضة مضطرة للإندماج مع الحركات الديمقراطية والعلمانيين. وفي ليبيا تراهن على حركات ليس لها نصيب في المستقبل، بينما لم تفلح في سوريا لأن هذا البلد العربي تتحكم فيه مصالح دول كبرى تبدو تركيا في مواجهتها غير قادرة على التأثير. في العراق لم تتمكن من فرض أرادتها على الأكراد الذين لم يتخلوا عن أبناء قوميتهم في جنوب تركيا وشمال شرق سوريا، بينما خسرت بغداد التي تنزاح رويدا الى طهران وهي تعاني من إرتداد محاولاتها على الداخل بتفجيرات وتظاهرات للقوميين والعلمانيين وثورة مسلحة يؤججها حماس الأكراد لتقرير المصير، ويعاني إقتصادها من نكسات متلاحقة بسبب عدم ثقة الغرب وعدائها لروسيا وإيران ومصر في الملف السوري تحديدا، مع عدم وجود رؤية واضحة لعلاقاتها بالمنظومة العربية التي تعاني كثيرا.
كان سعي تركيا حثيثا بإتجاه مصر منذ الأيام الأولى لتنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وكان واضحا التنافس التركي الإيراني على التحالف مع الأصولية الإخوانية التي كان أداؤها محبطا ولم تلتفت الى قوة المؤسسة العسكرية المصرية وحضور جهاز المخابرات العتيد في خضم الأزمة التي إندلعت بعد تصاعد الإحتجاجات ضد حكم الرئيس المعزول محمد مرسي الذي لم ينجح في إستقطاب فئات واسعة من الشعب المصري برغم كل ماكان يعانيه هذا الشعب حيث فضل العودة الى سياسة إنتاج النظام القديم بأجهزته العسكرية والمخابراتية من أجل حفظ ماء الوجه بعد أن إكتشف الناس إن السلطة في مصر أخذت الإخوان المسلمين الى مساحة بعيدة عن تطلعاتهم وكان الدعم السعودي والإماراتي كافيا ليوفر المال للماكينة الإعلامية المناهضة لحكم الإخوان والرئيس محمد مرسي فكان السقوط مدويا وأدى الى صدمة في تركيا حيث لم يخف الرئيس أوردوغان حزنه العميق وبكى بحرقة في إحدى المناسبات وكان مدافعا عن الإخوان وفترة حكمهم وعد النظام المصري نظاما دكتاتوريا يجب الوقوف ضده مهما كان الثمن
في سوريا كانت تركيا طرفا فاعلا وتوعدت بالمساعدة في إقصاء الرئيس بشار الأسد لكنها لم تنجح في ذلك، وصارت جزءا من المشكلة وطلبت من إيران أن تتخلى عن حليفها الموثوق لكن طهران ردت بثقة وأكدت إنه باق في السلطة ولن يغادر إلا بقرار يكون لحلفاء الأسد الدور الرئيس في صياغته برغم الضغوط التي مورست في حينه من الغرب وأمريكا ودول الخليج وتنوع أشكال المعارضة والدعم والتمويل والقرارات الأممية التي توالت من مجلس الأمن الى الجامعة العربية التي أوقفت عضوية دمشق وصارت المعارضة السورية بديلا عن النظام في الحضور، ولم تتمكن تركيا من التأثير في الوضع العراقي المحكوم بالإرادة الأمريكية والسيطرة الإيرانية المحكمة والموغلة في التأثير برغم كل مساعيها ومحاولتها التحالف مع أطراف كردية وعربية في إطار تأكيد العلاقة مع الداخل العراقي لكنها جوبهت بردة فعل أقوى من المتوقع من الجماعات الشيعية والحكومة العراقية.
يواجه الرئيس رجب طيب أوردوغان تحديات داخلية غير مسبوقة من الأحزاب الكردية والمعارضة القومية وأحزاب دينية منافسة دون تجاهل المصاعب الإقتصادية التي أثرت في الوضع التركي وعقدته الى حد بعيد ولايبدو أن سياسات أوردوغات تؤتي أكلها لوجود منافسين إقليمين ومصدات عربية مانعة للتوغل عدا عن الصراع الروسي الأمريكي الذي جعل تركيا في خضم عاصفة لايبدو انها ستنجلي قريبا.