” لقد بحت أصواتنا بلا جدوى من تكرار دعوة الاطراف المعنية من مختلف المكونات إلى رعاية السلم الاهلي والتعايش السلمي بين ابناء الوطن وحصر السلاح بيد الدولة ، ودعوة المسؤولين والقوى السياسية التي بيدها زمام الامور الى ان يعوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، وينبذوا الخلافات السياسية التي ليس وراءها إلا المصالح الشخصية والمناطقية ، ويجمعوا كلماتهم على إدارة البلد بما يحقق الرفاه ، والسعادة ، والتقدم لابناء شعبهم” .
بهذه المرارة عبرت مرجعية النجف الدينية الشريفة عن خيبة أملها في الحكومة ، والقوى السياسية الممسكة بزمام السلطة دون استثناء ، وجميع الأطراف المعنية من كل المكونات ، خلال خطبة الجمعة التي القاها معتمدها السيد احمد الصافي من الروضة الحسينية المطهرة .
الحقيقة ، ان صوت المرجعية ، التي نصحت وناشدت وحذرت المعنيين على فترات متباينة ، لم يبح لوحده ، فقد بحت اصوات المتظاهرين في ساحات الاحتجاج ايضا ، بهتافاتهم بين المطالبة بالحقوق والدعوة الى التغيير ، كما بحت اصوات الملايين من الجماهير عبر وسائل الاعلام وفي المقاهي والبيوت والمؤسسات ، وهي تندد بالفساد ووضع الانسان في غير المكان المناسب ، وربما اكثر الاصوات إيلاما تلك التي امتزجت باللوعة متحشرجة في صدور الامهات الثكالى والزوجات المترملات والاطفال المتيتمين ، تندب احباء غيبتهم يد الارهاب والجريمة في تفجير غادر او طلقة في الرأس او قطع العنق او مقبرة جماعية ، او كل هذا معا كما في مجزرة سبايكر ، او أركسوا في ظلمات المعتقلات على شهادة مخبر سري بلا ضمير ، لكن الصوت الذي سبق كل هذه الاصوات ولازال يصدح عاليا هو الصوت الوطني العراقي الأصيل ، صوت الدولة المدنية ، والذي لم ينخدع بمشروع الاسلام السياسي وشعاراته الفاسدة ، كما لم ينخدع بالدكتاتورية من قبل ، فرفض الطائفية السياسية ، حاملا لمشروع المواطنة الناهض على المساواة والعدل ، والحرية ، وسيادة القانون ، والشرعية الموسسية .
ان تلاقي خطاب المرجعيات الرشيدة مع مفاهيم الدولة الوطنية المدنية التي تصدى لها الدكتور اياد علاوي ، زعيم التيار المدني ، تؤكد أن العدل هو القاسم المشترك الأعلى بين القيم السماوية والانسانية ، وان فشل مشروع الاسلام السياسي في العراق والمنطقة مرده غياب عنصر العدالة الحقة عن مضامينه ، واعتماده التقسيمات الطائفية والمذهبية والجهوية الضيقة وتفرعاتها من تمييز وتهميش واقصاء وتراجع في العدالة الاجتماعية ، وبلحاظ عناصر خطبة الجمعة الاخيرة نكتشف التماثل الكبير في المواقف بين دعوات المرجعية ، ومطالب الجماهير ، ومشروع الدولة المدنية للسيد علاوي ورفاقه ، وهو مايميط اللثام عن حجم التجني والتزييف والتضليل الذي مارسته جماعات الاسلام السياسي بحق قيادات التيار المدني والتي لم تكن بعيدة يوما عن جوهر الدين السمح في برنامجها السياسي رغم عدم تبنيها للمشاريع ذات الصبغة الدينية ادراكا منها لخصوصية التنوع الديني والمذهبي في المجتمع العراقي ، ف “حصر السلاح بيد الدولة ، والسلم الاهلي ، والتعايش السلمي بين ابناء الوطن ” الواردة في خطبة ممثل المرجع الأعلى السيد السيستاني يقابله رفضنا القاطع والمبدئي ، من قبل ، للميليشيات المسلحة وكل اشكال التمظهر المسلح خارج سلطة الدولة ، في حين ان نبذ المرجعية ل ” الخلافات السياسية ” يوازي دعواتنا الى المصالحة الوطنية .
ان التعارض المفترض بين النهج المدني الذي يتبناه السيد علاوي والتيار المدني من جهة والقيم الحنيفة للاديان ليس سوى كذبة سمجة اصطنعها الانتهازيون والفاسدون لتعميق الهوة بين المجتمع ومصالحه الحقيقية في التعايش السلمي والتعاون والتسامح ، هذه الكذبة الآخذة في التهاوي بمعاول المرجعية الدينية ووعي المواطن المصقول بتجربة السنوات المريرة من هيمنة فصائل الاسلام السياسي وتنكرها لشعاراتها المخادعة ، وممارستها لصور محزنة من الفشل في ادارة الدولة والفساد بحق ” الشعب الذي أعطى وضحى وقدم أبناؤه البررة كل ما أمكنهم من دماء وأموال في الدفاع عن كرامته وأرضه ” وهو شعب ” يستحق على المتصدين لإدارة البلد غير هذا الذي يقومون به”، بما يوجب على قادته ان ” يسخروا كل إمكانياتهم في سبيل تطوير البلد ومؤسساتها وتطهيرها من الفساد والفاسدين وإصلاح القوانين والانظمة الادارية وإيجاد منافذ مالية جديدة وايجاد خطط اقتصادية مناسبة للخروج من الازمة الراهنة الخانقة “.