تتسارع الخطى ، وتتحقق الإشاعات على أرض الواقع، وما كان يوصف بالمستحيل، يصبح حقيقة، هكذا تبدو إجراءات الحكومة التقشفية في صفحتها الثانية المتمثلة بفرض الرسوم والضرائب، والتي تستهدف محدودي الدخل ومن لادخل لهم في الصميم.
كنا نطالب الحكومة بفرض ضرائب ورسوم كمركية على السلع والبضائع المستوردة لحماية المنتوج الوطني، وليس التركيز في تطبيق اجراءات التقشف على الفئات الضعيفة واصحاب الدخول المحدودة ، ومن ذلك ما أقدمت عليه وزارة الصحة من فرض أجور تشكل عبئاً ثقيلاً على مراجعي مستشفياتها ومراكزها الصحية، وهم بالتأكيد ليسوا من طبقات المسؤولين، ولا الدرجات الخاصة، ولا أثرياء القوم، فهذه الطبقات كما هو معلوم لاتأمن على صحتها الا في مستشفيات الخارج، حتى في الممارسة الطبيعية للإطمئنان على الوضع الصحي ” التجييك” الذي إعتاد كبار المسؤولين على إجرائه والإعلان عنه كي لايستغل من أعداء الوطن لترويج الإشاعات المغرضة عليه، فهو يجرى في الخارج أيضاً.
ومن هنا يتضح طبيعة المراجعين للمستشفيات الحكومية، ومدخولاتهم اليومية أو الشهرية، لذا تراهم يتحملون ألم المرض الى جانب الإهمال والتقصير وطول الإنتظار، لا لشيء الا لأنهم لابديل لهم سواها، برغم قناعة بعضهم أنه يأتي الى حتفه، بسبب سوء العناية، وهو يرى في المستشفى ثلاجة موتى، ومكان تصدر منه شهادة وفاته.
وزارة التربية، هي الأخرى إتخذت إجراءات من هذا النوع، مع أن التعليم الطبقي بات واضحاً من خلال توسع انتشار المدارس الأهلية، الى جانب فرض واقع التعليم الخصوصي على الطلاب وأسرهم، فضمانات النجاح، فضلاً على الحصول على معدلات عالية، أصبحت رهينة بالأساتذة الخصوصيين والمعاهد المرتبطة بهم، فيما تراجعت المدرسة الحكومية عن دورها التعليمي والتربوي، لكنها ظلت تحمل همّ الفقراء والمعدمين ممن حافظت أسرهم على إبقائهم على مقاعدها، وعدم التسرب منها كما فعل أقرانهم، الى سوح العمل والشارع.
وفي ظل الرسوم الجديدة، أخذت تنتشر إشاعات في الشارع عن نية الحكومة إلغاء التعليم الإلزامي، وفرض مبالغ طائلة يدفعها ولي امر الطالب لتسجيل إبنه في المدرسة، كما أن هناك إشاعة أخرى عن فرض رسوم على أداء الإمتحانات للصفوف المنتهية.
وزارة الداخلية، كذلك، وضعت رسوماً لمراجعي دوائرها، سواء في المرور، أو الأحوال المدنية والجنسية، أو الجوازات، ولا ننسى وزارة المالية، ووزارة العدل، وبقية الوزارات، والتي ستصب جميعها في نهاية المطاف، على صغار الموظفين وفئات الشعب الدنيا.
المواطن في شدة معاناته، يتندر ويسخر من واقعه، محاولاً مرة محاكاة الإحراءات التقشفية للحكومة، بإجراءات مشابهة يفرضها على بيته، من أكل ماعون واحد من الرز، وأي طلب زيادة يدفع عليه رسم، ومنع تقديم الطعام والشراب للضيوف، أو تحديد مواعيد الزيارات في غير وجبات الطعام، ومرة بإقتراح رسوم جديدة على الحكومة منها رسم طريق للسابلة، وآخر للتفتيش في السيطرات، وثالث للهواء والنظر الى السماء …