14 نوفمبر، 2024 8:00 م
Search
Close this search box.

“جورج أمادو” .. عكس الروح البرازيلية في روايات تنتصر للكادحين

“جورج أمادو” .. عكس الروح البرازيلية في روايات تنتصر للكادحين

كتبت – سماح عادل :

اسمه “جورج آمادو دي فاريا”، ولد في باهيا “1912 – 2001″، في مزرعة كاكاو في قرية “فيراداس” جنوب ولاية باهيا، وكانت باهيا في ذلك الوقت مركزاً لتجارة العبيد الأفارقة في البرازيل، تعلم القراءة في مدينة “ايليوس” القريبة، وكانت أكبر مركز لإنتاج الكاكاو في بلاده.

بدأ الكتابة وهو لازال تلميذاً يدرس، ثم ذهب إلى “ريو دي غانيرو” لدراسة الحقوق وتخرج 1935، لكنه لم يعمل محامياً أبداً، لأنه كان قد سار في طريق كتابة الأدب.. كما كان ناشطاً سياسياً حيث ألتحق بالحزب الشيوعي 1926، واختار أن يناصر الكادحين الذي ينتمي إليهم.. بدأ برواية “بلاد الكرنفال” 1931، و”كاكاو” 1933، و”عَرَق” 1934، و”جوبيابا” 1935، ثم “بحر ميت” 1936، و”قباطنة الرمال” 1937.. واشتهر كروائي سريعاً في بلاده لتميز أسلوبه في الكتابة، وكانت كتاباته في ذلك الوقت نابعة من انتماءه السياسي كشيوعي، حيث رصدت الصراع الطبقي، وأحوال الكادحين من فلاحين وعمال مؤقتين، ومهمشين، سنتوقف عند راويات له:

  • رواية “عرق”..

في رواية “عرق”، تعريب فارس غصوب.. كتب أمادو عن بناية متهالكة، مكونة من أربع طوابق، ومقسمة مئة وست عشرة غرفة يشغلها ما يزيد عن ستمئة إنسان، تجمع في داخلها فقراء من أعراق مختلفة، يسكنون فيها وسط القمامة والحشرات والروائح الكريهة، يسكنون في غرف ضيقة، ويتشاركون المراحيض، ويعملون أعمالاً مؤقتة، وينهشهم الجوع، ويتوزعون ما بين جنود، عمال، باعة متجولين، نشالين، بائعات جنس، خائطات، غسالات، حمالين، ملونين، وعرب، وأعراق أخرى.. ركز السرد على شخصيات بعينها مثل الخائطة “دونا روزليتا”، التي ينهكها العمل، والتي تعول فتاة مراهقة تدعى “ليندا”، وتلك تحلم بحياة سعيدة وتقرأ الروايات.. رصد أمادو في الرواية الوضع البائس للكادحين.

  • رواية “تريزا باتيستا”..

الرواية ترجمة عوني الديري.. تدور حول بائعة جنس “تريزا باتيستا”، ساحرة الجمال، يوقعها جمالها ضحية للانتهاك والقهر، حيث تبيعها قريبة لها كانت تربيها لرجل طاغية يدعى النقيب “غوستنيانو دوارتي”، مولع بمعاشرة القاصرات، يستعبدها ويقوم بتعذيبها أشد أنواع التعذيب، ويجبرها على الاستجابة لرغباته، كما ويستغلها في أعمال مجهدة، ثم يغويها أحد الشبان فقط لمعاشرتها، تحبه وتستجيب له إلى أن يكتشف الأمر وتتورط في مقتل غوستو ثم ينقذها أحد الأغنياء، ويوفر لها بيتاً ويعيش معها علاقة حب، لكنه يحرمها من الإنجاب، ومن أن تكون زوجته، بسبب أن لديه عائلة، ظلت محظيته حتى مات ورجعت لحياة الفقر مرة أخرى.

قاومت “تريزا” بشجاعة وباءاً تفشى في البلاد “الجدري” هي وبائعات جنس أخريات، واستطعن القضاء على الوباء بجهودهن، حيث أن بائعات الجنس لم يكن لديهن شيئاً يخافن منه حتى الموت نفسه، لأنهن يعشن حياة أسوأ من الموت، لذا واجهن الوباء بشجاعة.. “تريزا” كما رسمها “أمادو” عنيدة قوية وحنون أيضاً، تساعد من يحتاجون لمساعدتها.. كما حكى أمادو في الرواية عن إضراب عاملات الجنس، والذي عارضته الشرطة والحكومة لأن البغاء وسيلة لجذب جنود الأسطول الأميركي الشمالي، وسوق البغاء هام لتفريع طاقاتهم الجنسية بدلاً من أن يغيروا على النساء الأخريات والعائلات بحثاً عن لذة.. قمعت السلطات هذا الإضراب وسعت لانهاءه، وطالبوا بائعات الجنس بممارسة عملهن، مما يعني ان البغاء صناعة الطبقية، وإحدى وسائلها لانتهاك الكادحين والمعدمين.

في عام 1946 انتخب لعضوية البرلمان عن “الحزب الشيوعي” المنتمي له، ولكن السلطة العسكرية ألغت شرعية الحزب الشيوعي.. تعرض “أمادو” للنفي في بداية الأربعينيات وحرقت رواياته ومنعت في بلاده، حيث أمر الرئيس “غوتو ليو فارغاس”، بإحراق أول ست روايات له في الساحة العامة بالعاصمة، فاضطر إلى الهروب ليعيش ما بين فرنسا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفياتي، ولم يستطع العودة إلى البرازيل إلا في عام 1952.. وحصل في أثُناء ذلك على “جائزة ستالين للآداب”، وأصبح عضواً في الهيئة التي تمنح هذه الجائزة.

استمر “جورج أمادو” في كتابة الأدب وصدر له كتاب “عالم السلام” 1951، ورواية “أقبية الحرية” عبارة عن ثلاثة أجزاء ضخمة، ورواية “فارس الأمل” 1942 التي تناول فيها سيرة حياة القائد الشيوعي البرازيلي “لويس كارلوس برستيس”.. واستمر في كتابة الروايات التي ترصد الصراع بين الإقطاعيين والتجار في مناطق زراعة الكاكاو، مثل رواية “أراضي اللانهاية” 1942.

كتب أمادو قبل عام 1958 روايات تعبر عن توجهه الماركسي، فيما يعرف وقت ذاك بـ”الواقعية الاشتراكية”، حيث ركز على رصد الصراع الطبقي بكتابة مباشرة وقوية، منها رواية الأرض العنيفة 1942، ثم اتجه إلى تغيير أسلوبه بدءًا من رواية غابرييلا، الثوم والقرفة 1958، والتي اعتمد فيها أسلوب السخرية اللاذعة، ويقول جورجي أمادو في ذلك: “إن روح الدعابة تأتي مع الوقت، فبالنسبة لي لم تظهر هذه الملكة إلا عندما بلغت الأربعينيات من العمر، فقد تولدت في أعمالي فأصبحت سلاحاً جديداً، الأكثر فاعلية، وذلك لنقد الواقع والدفاع عن مصالح الشعب”. وقد أثنى نقاد كثيرون على رواية “موتا كوينكاس ووتريل” 1962 واعتبروها أروع ما كتب من روايات.

يعتبر أمادو كاتب بارز في تاريخ الأدب البرازيلي.. استطاع أن يكتب عن البرازيل بتنوعها، وأعراقها.. وتميز الحياة فيها كما اهتم بالتراث الإفريقي لأمته، وظهر ذلك بوضوح في رواية “خيمة المعجزات” 1969، وله روايات أخرى “دونا فلور وزوجاها” 1966، “تيتا” 1978، “جوبيابا” 1984، “المكاشفة” 1987، “حرب القديسين” 1993.. فقد وصلت أعماله إلى ما يزيد عن الأربعين كتاباً، ترجم معظمها إلى أكثر من ثلاثين لغة، وبدأت ترجمة أعماله إلى العربية منذ منتصف الخمسينيات، لكن ما ترجم منها حتى نهاية القرن العشرين لا يزيد على النصف .

من أعماله أيضاً “القديس جورجي شفيع إيلويس” 1944، “غرام الجندي” 1947،”البحّارة المُسنّون” 1961، “دكان المعجزات” 1970، “تيريزا باتيستا المتعبة من الحرب” 1972.

كما كتب الشعر.. وله عدة مجموعات شعرية منها “نجمة البحر” ودراسة نقدية مهمة “ألف باء كاسترو ألفيس” عن الشاعر البرازيلي الرومنسي “كاسترو ألفيس” المشهور بمناهضته للعبودية.

نال جورج أمادو شهرة واسعة خلال حياته الطويلة، ليس فقط في بلاده البرازيل وإنما في دول العالم وترشح أكثر من مرة لـ”جائزة نوبل” لكنه لم ينالها بسبب حصوله على جائزة ستالين.. وتم نقل معظم رواياته للتلفاز والمذياع والمسرح ومثلت “دونا فلور وزوجاها” في فيلم عام 1976، وكانت المسلسل التليفزيوني الذي أعد عن روايته “غابرييلا، الثوم والقرفة” رائج جدًا في أميركا اللاتينية كلها، وبيعت 20 مليون نسخة من كتب أمادو في جميع أنحاء العالم، كما حصل أمادو على عدة جوائز منها: “جائزة بابلو نيرودا” (موسكو 1994)، جائزة “لويس دي كامويس” (لشبونة 1995)، جائزة “سينو ديل دوكا” (1998).

و في النهاية تميز أمادو لأن روايته امتلأت بعالم من الرجال الأشدّاء والنساء الشهوانيات الجميلات ذوات الشخصيات القوية، وشخصيات نصَّابين، وأبطال، وكولونيلات، وعمّال، وأمهات، وزوجات، وصديقات، وبائعات جنس.. شخصيات غنية ومتنوعة بغنى الواقع البرازيلي نفسه.. وفي أحيان أخرى كان يتقمص الإنسان البرازيلي الفقير ويحاول أن يتحدث بوعيه إلى العالم ويوصل الرسائل الاحتجاجية في الغالب على الظلم والديكتاتورية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة