سمعنا عنه قبل أن نراه ، ورأيناه قبل أن نعرفه، وعرفناه فيما بعد وجربناه فوجدناه ، عراقياً عربياً .. وإنساناً يحمل إرث حضارةٍ ضاربة الجذور يؤمن بإن الإنسان لابد أن يعيش بكرامةٍ وسلامةٍ وأمان في مجتمعٍ عظيم وفي دولة حرة ديمقراطية متحضرة ، صفاتٌ إجتمعت لتشكل منه قائداً يختص في وحدة الصف ، ولملمة الجراحات ، والنهوض بالجسد العليل بعد معالجته طبياً ، ومجتمعياً ، والوصول به الى أعلى الدرجات ، ومواكبة التطور والحضارة .
هكذا رأينا الدكتور إياد علاوي عند إستلامه لمقاليد السلطة في العراق ببلد مزقته الحرب وأنهكت كل قدراته الإقتصادية والعلمية وحطمت كل مفاصل الدولة وبناها التحتية ، نعم تصدى علاوي بشجاعته المعروفة لهذا الأمر الصعب ، ورضي بأن يكون ذلك القائد المنقذ الذي إختاره جميع السياسيين آنذاك لمعرفتهم بقدراته وأيمانهم بإن الرجل سيعبر بالبلد الى بر الأمان ، وكان ذلك ، بعد أن أصبح الدكتور علاوي يقاتل بعنفوان الرجال الرجال ، على ثلاثة محاور مهمة ، أولها كانت مسألة بناء مؤسسات الدولة التي حطمها الإحتلال الأمريكي بالكامل بعد غزوه للعراق ، وثانيتهما العودة بالعراق الى احضان المجتمع الدولي وأخذ دوره الفاعل فيه ، وثالثهما محاربة الإرهاب الذي دخل العراق بعد أن تحطمت جميع أسواره وأبوابه .
هذه الصفات لم تجتمع في قائد عراقي يحب العراق والعراقيين ، ويحبه العراق وجميع العراقيين كما إجتمعت في شخصية الدكتور علاوي هذا القائد الذي يؤمن بإن العراق بلد الحضارات والتأريخ المجيد هو من صناعة العراقيين انفسهم ، فالعراق أذن لجميع العراقيين .
هذه الصفات يمكن أن يحملها أي شخص من الناحية النظرية وربما المسالة ممكنة ، لكن وجودها من الناحية النظرية وتطبيقها على ارض الواقع من الناحية العملية تحتاج إلى كفاءات خاصة والى كاريزما خاصة تليق بالقائد المنقذ . وهناك ثمّة من الأمثلة الكثيرة لسياسيين وقادة ، إهتموا بهذا الأمر وكانوا يدعون له عبر المنابر ووسائل الإعلام يهتفون بوحدة الوطن ، والرقّي بالمواطن وربما لديهم القدرة على إيصال خطاباتهم الرنانة الى أسماع الناس ، ولكنهم يفتقدون الى الإبداع الفكري والعمل الحقيقي الجاد في تنفيذ تلك المتطلبات ، ومقارعة الظلم والفساد وإنقاذ الوطن والمواطن ، وهذا الحال نعيشه ليس فقط في مجتمعنا العربي بل تعاني منه معظم شعوب العالم ، ولكن من النادر أن يلعب السياسي ، دور المنقذ للمواطن والوطن في هذا الزمن الصعب الذي تكالبت فيه قوى الشر والظلم والفساد ، إنها حالة نادرة الوجود..!!
الدكتور علاوي وبعد ان أنهى مقارعته للدكتاتورية عبر نضال أستمر لسنين طاول من خارج الوطن ، عاد اليه وهو يحمل مشروعاً وطنياً يعود بالعراق الى الصدارة وحيث مكانته الحقيقية بين بلدان العالم ، مشروعاً تتصدر أهدافه إقامة الدولة المدنية ، والتعايش السلمي بين كل فئات المجتمع ، تحت مبدأ فصل الدين عن الدولة وإقامة دولة المؤسسات ، وهذا الأمر الذي طالب به العراقيين أجمع وخرجوا بتظاهرات عارمة عمت أرجاء الوطن ، بعد أن فعلت الأحزاب الدينية ماافعلته بالعراق على مدى أكثر من عشر سنين ، وانهكت قدراته الإقتصادية ومزقت نسيجه الإجتماعي وفككت روح الوطنية العراعقية غبر تاجيج الصراع الطائفي والعرقي بين المجتمع العراقي بينما إنشغلت تلك الأحزاب في عملية مصادرة ثروات البلد وإستهداف الكفاءات فيه ، مما جعل من العراق يتصدر قائمة الفساد المالي والإداري عالمياً ويصب اسوء بلد للعيش في العالم .
وبعد ان تكشفت أمام أنظار الشعب العراقي باجمعه حقيقة هؤلاء السياسين الذين عاثوا فساداً بالبلد الجريح وقتلوا مئات الآلاف من ابناءه وهجروا الملايين منهم في كل أرجاء العالم ، أدرك الجميع بإن المشروع الوطني الذي نادى به علاوي منذ ثلاثة عشر سنة ، وكان يهيىء له قبل ذلك بأعوام ، هو المنفذ الوحيد للخلاص من الواقع المرير وإنقاذ الوطن والمواطن ، فإستبدلت الأحزاب السياسية الدينية شعاراتها الطائفية بشعارات تدعوا للوطنية في محاولة لمصادرة المشروع الوطني الحقيقي الذي يدعوا اليه علاوي ، وإستبداله بعد خلع ثوب الدين والتدين وإرتداء ثوب الوطنية العراقية ، وبالرغم من هذه المسرحية انطلت على فئات كبيرة من أبناء المجتمع العراقي ، إلا إنها لم تستمر اكثر طويلاً فبعد عملية كسب أصوات الناخبين بحجة الوطنية المزيفة ، عادت نفس الوجوه لتتصدر المشهد السياسي والحكومي في العراق ، مستخدمين شعارات واهداف وطنية لكنها ليست حقيقية ، لانهم بعيدين كل البعد عنها وعن الإنتماء اليها جملةً وتفصيلا “.
في آخر لقاءاتي مع الدكتور علاوي قال لي بالحرف الواحد إن العملية السياسية في العراق اصبحت وبال على العراق والمواطن العراقي ، بسبب عودة الدكتاتورية بشكل متطور وممنهج فالإستئثار بالسلطة وتدخل دول خارجية في رسم السياسة العراقية صار أمراً مفروضاً تستجيب له القوى الخارجية التي تتشارك في نهب خيرات البلدان وتمزيقها ، وهذا مارفضناه سابقاً وسنرفضه في كل زمان ، ووصلت التدخلات في الشأن العراقي الى حالة القبول والرفض في تحديد أعلى قيادات الدولة والتشكيل الحكومي لها ، وهذا دليل واضح على إختراق السيادة العراقية عبر تدخلات الدول التي لاتريد الخير للبلد .
وهنا يتابدر السؤال الأكبر والأهم لماذا يتمحور الجميع عند علاوي حينما تتطلب منهم اثبات وطنيتهم ونهجم في خدمة العراق وإنقاذ شعبه ن ولماذا يتخلفون عن النهج الوطني والمشروع الوطني حال إستلامهم لمناصبهم التي لا يستحقوها ..؟؟
المشروع الوطني باقي حتماً ويقيناً ، لكنه بإنتظار إشراقة شمس التغيير الحقيقي .