كنت في مرحلة الابتدائية بمدرسة الأيمان المختلطة (ولد وبنات ) لم يكن يخلو في بالنا أن نقوم أو نفعل افعال دنيئة وغير لائقة مع الطالبات فهن خواتنا,ولأن همنا وشغلنا الشاغل كان لا يقتصر سوى كيفنحصل على تفاحة او برتقالة أو لفة كباب أو علبة عصير من حقائبهن ؟ لم نكن نعرف معنى الغش والتدليس والمكر لمأرب دنيء نريد الحصول عليه ,لأن حبنا كان عفوي ,ملؤه البراءة والطفولة ,رضعتنا أمهات ُ طاهرات خاليات من العيوب والجيوب ,صدقني كان جل تفكيرنا هو الذهاب للمدرسة لنيل العلم وممارسة حياتنا البريئة بكل معانيها ,حب القيم والمعايير والاحترام والتقدير والإجلال للمعلم الذي كان يربي ويهذب ويشذب سلوكياتنا قبل التعليم ,ما فائدة التعليم ونحن نمتلك قلوب الذئاب نفترس بها الناس ونستبيح حرماتهم ,لم نكن نعرف أن نقيم علاقات وضيعة تشوبها اللوثة لأن الفطرة السلمية متجذرة في نفوسنا على سجيتها ,ترفض الذهاب والانصياع لطريق الرذيلة والانحراف ,كانوا يقولون لنا لا تكذبوا ولا ترتكبوا الإساءة لأن الرحمن الرحيم سيرمي بكم في النار فهو يحبكم إذا كنتم اولاد مطيعين لأمكم وأبيكم ولأهلكم وتساعدون أصدقائكم وتحترمون معلمكم فهو الأب الثاني لكم ,كانوا يخيفوننا بالسعلوة والطنطل إذا بدرت منا تصرفات غير حميمة وكنا نهرع مسرعين نلتمس العفو الصفح منهم ونخلد للنوم في وقتاً مبكر,كنا نتسابق على فعل الخير وتقديم المساعدة لمن يطلبها منا ,كان المعلم يشد من عودنا ويقوم أخلاقنا ,وينمي فينا أفق الحياة والمستقبل لتكبر معنا ويروضنا للحب ,حب الجميع دون معرفة هوياتهم وانتماءاتهم ويقول لنا عليكم بالحب فأنها صفة الانبياء والرسل لنشر رسالاتهم للبشرية ,كان يسألنا ماذا تريدون أن تصبحوا في المستقبل ؟فنقول له : معلم أو طبيب أو مهندس أو محامي أو ضابط ,فيقول إذا اصبحت طبيب عليك بمساعدة البسطاء والضعفاء وأن تشخص المرض بشكلاً صحيح وتمتلك قلبٌ كبير وعطوف لأنها مهنة الرحمة لا تساومهم على اموالهم مقابل العلاج لصحتهم لأجراء العملية فما كان لله ينمو,وكان يقول للمعلم :عليك أن تتسلح بالقيم الإنسانية لنشر ثقافة المحبة والتسامح والعفو للأجيال وتغرسها بهم ولا تعلمهم ثقافة الحقد والكراهية والطائفية فأن لك رسالة كرسالة المصلحين في الارتقاء بوعي أممهم وإصلاحهم نحو هدف ُسامي ,ويقول للمهندس :عليك أن تبني مدرسة ومستشفى ومؤسسة أو معلم حضاري وأن لا تغش في مواد البناء لأن هذا المكان سيكون يوماً ما فيه موجود ابوك أو امك او اختك او
اخيك أو أحد أحبائك فالضرر سيلحق عليكم بالدرجة الأولى قبل غيركم ,وأما المحامي فعليك بنصرة المظلومين والدفاع عن حقوقهم ولا تأخذك في الحق لومة لائم فان الباري عادل ويحب العدل ,والعدل اساس الملك يا بني ,وكذلك ينصح الضابط عليك بالدفاع عن حرمات الوطن وأرضه من دنس الأعداء ومحاربة الفاسدين والسراق واللصوص وتقديمهم للعدالة والسهر على أمن المواطنين وأن لاترتشي فتصيبك لعنة الفساد فأن الرسول (ص) يقول :{لعن الله الراشي والمرتشي }هل لازلنا نعيش تلك الأجواء يا أبا أيمن قلي بربك ماذا حل بنا وبأحلامنا البريئة ؟هل تغيرت سرائرنا وطغت عليها الوحشية والمنافع والمصلحة الشخصية قبل كل شيء؟أين دعاؤنا وتوسلنا بالله تحت قبة الحسين (ع) لله أفوض أمري هو بصيٌر بي وبالعباد,أي إعصار مدمر هز منظومة قيمنا الأخلاقية,هل سكوتنا عن الباطل وغض البصر على فواحش الظلم والظالم فجزينا بهذا الجزاء من الخالق ,أم كما نكون يولى علينا .