{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
ولد الشهيد ستار خضير صكر الحيدر، عام 1930 في “مسيعيدة” الحزينة، التابعة للعمارة.. إسم على غير مسمى! فقر مدقع، غني بعفة النفس وقوة الموقف.
قضى صباه في أكناف عائلته المندائية الكادحة، تعمل في الصياغة، التي كانت مهنة الكدح والتعب اليومي.. حينها.. لبساطة الأدوات المستعملة فيها.
عائلة خضير صكر ميسورة الحال، قياسا بالعوائل المندائية الأخرى؛ ما جعل بيتهم ملتقى أكثر المندائيين ليلا؛ لإحتساء القهوة العربية، التي يجيدون صنعها.
يستنفدون “التعلولة” بالأحاديث السياسية متنا، وأخبار السوق، على هامشها، وغالبا ما يكون السوق إدادا للإحتقان السياسي، في العراق المتشنج منذ فطره الرب على وجه الارض.
تعلم في مدرسة “الكحلاء” الأبتدائية منذ العام 1937، وتوفيت عنه والدته وله من العمره تسع سنوات، فقط؛ لذلك إنغمس بالعمل، في ظل والده؛ كس يسد الشاغر الذي فغر فجوة عميقة في شخصيته.. من دون أم.
ظل الحيدر يساعد والده في العمل اليومي الشاق، متقمصا مسؤولية الاسرة مبكرا؛ مما ادى الى تبلور وعيه الطبقي منذ تخرج في الأبتدائية 1944 وهو ينظر الى عيني والده تزدادان أحمرارا” وجسده يزداد نحولا” كلما وجد نفسه في دكان والده يساعده في مهنة التعب والنار والمنفاخ والطرق على السندان…
أكمل المتوسطة في “العمارة” 1945، وهي لم تزل تحت سيطرة الأقطاع، وفي القسم الداخلي إلتقى طلبة يحملون فكرا شيوعيا؛ أثاروا لديه فضول الرغبة في التعرف على الماركسية، سائرا نحوها بخحطى حثيثة يغذ السير تحت لوائها.
حدثت وثبة كانون 1948 وعمت مظاهرات، إكتظت بها شوارع العمارة وساحاتها العامة؛ فنزل ستار ورفاق شبابه، الى الشارع الرئيسي، هاتفين للوثبة، يطالبون بألغاء معاهدة بورتسموث وسقوط الحكومة.
تخرج في الثانوية وأكمال دورة المعلمين، منتقلا الى بغداد ليعمل في التعليم، مطلع 1951، لكنه فصل من الوظيفة نهاية العام نفسه، بسبب أنتمائه السياسي وأضطر للعودة الى الكحلاء، فلاح، يوزع على مجتمعه، منشورات الحزب، من دكان بقالة بسيط.
واصل الشهيد نضاله مشاركا في حركات وطنية متلاحقة.. سجن وأطلق سراحه أكثر من مرة، على طول العراق وعرضه.. من الشمال الى الجنوب، حتى تبوأ ناظم كزار.. منصب مدير الامن العام، فتذكر أصدقاء الطفولة بشر، مفكرا بالأنتقام من الحيدر وأصدقاء الصبا؛ فالبعثيون لا ينتمون الا لأنانيتهم!
وقع بين مخالب المجرم كزار.. زميل الدراسة حين الصغر، ومدير الأمن العام في عهد البعث.. بعد إنقلاب 17 تموز 1968 المشؤوم؛ فأنشب مخابه، في وجدان وجسد الشهيد ستار، يخفي الحقد تحت ستار البراءة.. بأعين ترصد الثوريين الحقيقيين.. ترمقهم بحقد.
ففي عصر يوم 23 حزيران 1969 خرج الشهيد ستار خضير من بيت في حي المعلمين / شارع فلسطين في بغداد وتوجه الى موقف الباصات يروم العودة الى أهله، وأثناء أنتظاره باص المصلحة توجه أليه شخصان مسلحان وأطلقا النار عليه سوية من سلاحيهما فأصيب بعدة أطلاقات في بطنه غير أنه أستطاع أن يركض بأتجاههم ويمسك بأحدهم ويسقطه أرضا” وسقط معه لكنه أستطاع الوقوف رغم جراحه لكن القاتل الأخر عالجه برصاصة أخرى أصابته في رجله أعاقته عن الحركة وغادر القتلة المكان.
غاب عن الوعي ونقلته سيارة شرطة النجدة الى مستشفى الطوارئ، ليرحل.. مفارقا الدنيا، ظهر يوم28 حزيران 1969.