تحرير الرمادي الآن بات امراً واقعاً، برغم متابعة قوات الأمن العراقية جيوب مسلحي داعش المتواجدين بضواحي المدينة. النتيجة تبدو من تحرير الرمادي، مواجهة تحديات كبيرة مستقبلاً وهي كيفية بناء نظام سياسي سنّي في مرحلة ما بعد تنظيم (داعش).
في المدينة المنكوبة ما يزال الاحتفال قائماً، لكن المشاهد مروعة في المدن من دمار وقتل وانهيار تام للبنى التحتية، يطرح سؤالا، كيف تتم إعادة اعمار المدينة؟.
الرمادي في حال خلاصها من تنظيم داعش، يعني انها مؤهلة لاعادة بناء نفسها على الصعيد الاجتماعي، على اعتبار انها مدينة لا تواجه تحديات عرقية او طائفية، فهي مدينة سنّية ١٠٠٪، ولا أحد من سكانها يريد ان يكون شيعياً او كردياً. فمثل هذه الفرص مواتية لاعادة بناء المدينة اجتماعياً.
العراق مايزال يشهد اقتتالاً قبلياً بين السكان السنّة، ما شجع تنظيم داعش على النمو في تلك المناطق الغربية فضلاً عن ادعاءات اهل السنة بانهم مظلومون ومضطهدون من الحكم الشيعي في البلد.
لكن في المقابل هناك قبائل سنّية، في متناول اليد وكثير منهم تدرب على يد القوات الاميركية وساعدوا باستعادة السيطرة على مدنهم. ورغم كل المحاذير من صعوبة استعادة الرمادي، فانها تعد انتصاراً كبيراً للرئيسين التنفيذيين العراقي والاميركي تحديداً. فكلاهما شعرا بالفرح السياسي لاستعادة السيطرة على المدينة الصحراوية، وضربا خصومهما بقوة.
التقارير الاولية أشارت الى ان الجزء الاكبر من القتال في استعادة السيطرة على الرمادي كان بفضل جهاز مكافحة الارهاب المعروف باسم “الفرقة الذهبية”، فضلاً عن دور وحدات الشرطة الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية.
الوحدات القبلية والجيش لعبا دورا كبيراً في الدعم العسكري، في حين بقت الجماعات المسلحة الشيعية على مسافة محترمة من خوض القتال، لاصرار الولايات المتحدة بعدم إشراكها خوفاً من وقوع أعمال عنف طائفية.
وبعد انتزاع المنطقة الحضرية من مسلحي داعش، يجب ان تعتبر قوة مكافحة الارهاب الأكثر موثوقية في العراق، لأنها الوحيدة القادرة على القيام بعمليات قتالية كبيرة بالتنسيق مع القوة الجوية الاميركية.
ما تحتاجه الرمادي، هو إعادة تأسيس نظام يحترم سيادة القانون ومعالجة الأولوليات العاجلة وهي توظيف الوحدات القبلية العسكرية لصالح مدنهم، لانها مستقبلاً قد تكون قوة الرمادي الوحيدة، رغم معاناة الكثير من القبائل من جرائم تنظيم داعش.
ويبدو ان واشنطن تريد ان تكون الرمادي مغايرة عن تكريت من ناحية تحريرها، وكأنها تحاول إظهار صورة للمجتمع الدولي بان استعادة الرمادي كان نموذجياً.
وكما هو معروف، فان مدينة تكريت تمت استعادتها من مسلحي التنظيم في آذار من العام الماضي، وكانت هناك تقارير دولية انتقدت عملية التحرير متهمة القوات المحررة بسلب ونهب ممتلكات المواطنين.
الزخم العسكري في مدينة الرمادي يجب ان يُترجم لتحقيق المزيد من المكاسب في المحافظة عموماً، فهناك مدينة الفلوجة التي تبعد عن الرمادي ٣٠ ميلاً، فضلاً عن الموصل التي لاتزال معقلاً لمسلحي داعش.
لايزال هناك شك في ان كلا المدينتين سوف تتم استعادتهما في نهاية العام الحالي، لكن هل الحكومة المدعومة بالتحالف الدولي ستسرّع من عمليتها لأقصى درجة ممكنة؟.
كل يوم تتأخر الدولة في استعادة مناطقها، هو مفيد وصالح لتنظيم داعش الذي يلقّن شباباً في المناطق الخاضعة لسيطرته بايدولوجيته وكراهيته وسرقة ثروة العراق.
السؤال الحقيقي بشأن قدرة العراق لاستعادة أراضيه بالطبع هو ليس عسكرياً، ولقد أظهرت القوات الامنية قدرتها على تحرير المناطق الحضرية، وبشأن الموصل واستعادتها في الربيع او الشتاء المقبلين ايضاً، هو ليس موضع شك.
بل ما هو موضع شك، الترتيبات السياسية التي ستنشأ في العراق، وهذه الترتيبات على الولايات المتحدة معالجتها لانها بالنهاية جاءت نتيجة إخفاقاتها في البلاد، التي وهبت مؤسسات ديمقراطية وليدة غير ناضجة وضعيفة، لذلك الازمة السياسية يجب ان تراقب عن كثب بعد تحرير المدن.
العامان الماضيان كانا صعبين بالنسبة للعرب السنّة في العراق تحديداً، لاسيما ان الطائفة السنّية تشكل نسبة ٢٠٪ من عموم العراق. أعداد كبيرة من اهل السنّة في الانبار ومناطق اخرى قاوموا تقدم مسلحي داعش ودفعوا حياتهم ثمناً باهظاً. مع ذلك هناك نسبة اقل من عموم هذه الاقلية في البلاد تعاونوا مع داعش وتأسفوا فيما بعد.
ولفترة عقد كامل، كان كثير من العراقيين المسيحيين والآشوريين والتركمان والايزيديين، تعرضوا للقتل والخطف الى جانب المجتمع السنّي ومظالمه، لانهم ببساطة كانوا غير راضين عن النظام السياسي الحاكم للبلاد.
الحقيقة هي، ان العرب السنّة في العراق هم الاكثر تضرراً في البلاد، لانهم عانوا الأمرين، الاول على يد مسلحي داعش الذي خلّف ٣ ملايين نازح، والثاني تدمير كافة ممتلكاتهم التي إما استولى عليها مسلحو التنظيم او تم تدميرها على يد القوات بسبب العمليات العسكرية.
في الجهة المقابلة من معاناة اهل السنّة، هي ان نصف ازمات هذا المجتمع هي، لعدم امتلاكه قيادةً سياسية جيدة. فعلى سبيل المثال الاخوين النجيفي فقدا مصداقيتهما الى حد كبير بين اوساط الموصل، وحينما وصل القادة الجدد امثال سليم الجبوري رئيس البرلمان ووزير الدفاع خالد العبيدي، لانهما ببساطة لم يقدمان شيئاً لجمهورهما.
باختصار، العرب السنّة في العراق هم في موقف لا يحسدون عليه، فمن جهة هم يُعتبرون مواطنون خائنون، ومن جهة اخرى يعانون من الحرمان، وسط انعدام تام على توليد قوة سياسية يمكنها معالجة ازماتهم.
جميع الفصائل السياسية في بغداد، تبدو انها عازفة عن فكرة دمج افراد الاقلية في ادارة الدولة، لان هؤلاء الافراد يُنظر اليهم بعين الشك وعدم حصولهم على ثقة الاغلبية السكانية في العراق. هذا النوع من الوضع يدعو الى المصالحة الحقيقية، لكن من غير الواضح ان هناك قيادة سياسة سنّية وقورة يمكنها معالجة العملية وتتصالح.