ثلاث عجلات مصفحة تخترق هدوء ليل الكوفة، لا أحد يعرف من القادم؛ بعد أيام، تبيّن إنه السفير السعودي في بغداد، ينفّذ مهمة عاجلة في النجف، وتحديداً في بيت السيد مقتدى الصدر!..
لم تغلق أبواب الصدر، كما يروّج، في وجه التدخلات الخارجية، ولم يكترث (المقاوم) بطبيعة الزائر، ومصدر المشروع الذي يحمله بصيغة الآمر، في اليوم التالي، صدر بياناً سعودياً يحمل توقيع مقتدى الصدر، بلهجة إصلاحية وتهديدية في نفس الوقت!. لقاء السفير السعودي بمقتدى الصدر، كان ثنائياً سرياً للغاية، غير إنّ (إصلاحات) الصدر التي فرضها على الحكومة، كشفت المستور، ولو قُدِّر للحقيقة أن تظهر، لأنتهت بفضيحة مدوية يُلقى على أثرها مقتدى الصدر في زنزانة ذات عنوان “تآمر وعمالة”.
ثمن الخيانة، صدارة وأموال ووعود بعدم كشف تعاملات سابقة للصدر مع المملكة السعودية. لكن الأمر لم يبتدأ بالصدر، ولن ينته عنده؛ فالعبادي جاء حاملاً لذات المشروع السعودي الذي تبنته الإدارة الأمريكية. ليس لرئيس الوزراء القدرة على ممارسة (الإصلاح السعودي)، لذا أبلغته الأطراف الموجّه له، بضرورة إستغلال فرصة غياب صوت المرجعية، وتعهدت له تلك الأطراف، بتوفير الدعم البرلماني المطلوب والإسناد الدولي العاجل.
تلك الشحنة الأمريكية، مدعومة بالسخط الشعبي، والكتل السنية الساعية لإقلمة العراق، والكوردية الذاهبة نحو مجهول جديد؛ وفَّرت زخماً خطابياً للعبادي، ترجمه بمشروع (تكنوقراطي) يضمن إختزال الغنيمة بين أطراف قليلة!.
العبادي فوجئ بمجموعة وزراء وكتلة برلمانية، تعلن تفويضها المشروط له؛ ببيان زعيمها أو بالأحرى البيان المكتوب بقلم سعودي!..
الصدر لم يقبل البيان الإصلاحي السعودي دون ثمن، ويبدو إنّ ما جعل الصدر يقبل مهمة (التآمر)؛ تحجيم دور الحشد الشعبي، سيما مجموعة الخزعلي، وضمان دور أكبر في المرحلة التكنوقراطية المقبلة، فضلاً عن بعض المال السعودي الذي حمله السفير في عجلات وزارة الدفاع العراقية!..
ثمة وعد سعودي آخر، ولعله يرتقي لمرتبة المشروع الإستراتيجي الذي سنرى بعض ملامحه مستقبلاً؛ وهو بدأ مرحلة الترويج للصدر كمرجع ديني. الرجل له أتباع يؤمنون به لدرجة التأليه، غير إنّ طرح ذلك المشروع، يضمن دخول الوسط الشيعي في صراع الأفكار وجدلية الزعامة.
في أطراف الكاظمية، حدث قبل ساعات أهم إجتماع في عراق ما بعد البعث، ربما ستتغير سياقات كثيرة وفق نتائجه التي لم تتضح بعد، بين رئيس الوزراء العبادي ومقتدى الصدر وأحد القيادات السنية، برئاسة السفير السعودي.. المبدأ؛ للعبادي رئاسة حكومة، وللسنة إقليم مستقل في كل شيء عدا إستلام الأموال من المركز، وللصدر زعامة روحية وشراكة في القرار والمغانم، مدعومة من الملك السعودي!..
لا توجد نتائج رسمية لغاية الآن، لكن السفير قال للصدر نصاً مرعباً: “أنتم تمثلون أملاً كبيراً لجلالة الملك سلمان”..’