19 ديسمبر، 2024 11:59 ص

شماعات المقبورين تحت اليد

شماعات المقبورين تحت اليد

الجميع يلعن السياسة التي جاء بها (بول برايمر) الى العراق عام 2003.. والكل يصبون عليه جام غضبهم لما رسمه من خطى إبان تسنمه مهام إدارة البلاد، وأظنه أضحى الشماعة رقم 1 لدى الباحثين من ساستنا عن أسباب تدهور أوضاع البلد. وإنه لمن المفارقة أن الذين يلعنونه ساروا ومازالوا يسيرون -ممنونين- على نهجه الملعون، فرحم الله من أعاد اللعنة عليه ثانية وثالثة على حب العراق، إذ حقا يقينا أن ثمرة العلقم التي زرعها، مازالت تأتي أكلها كل حين، ومازال العراقيون يتجرعون مرارتها على مضض، ويتحملون ما تنزه من سموم في جسد العراق. وفي حقيقة الأمر لم تكن تلك الثمرة تينع وتزهر وتزدهر، لولا انكفاء المغرضين على سقايتها ورعايتها وتهيئة الأرض الخصبة لنموها، ولم يفتهم طبعا بذل الجهود المضنية في تناسلها وتكاثرها بأشكال التكاثر وأنواعه كلها، وأظن أحدها التكاثر بالانشطار، فقد عهدنا بالأخير أنه طريقة تكاثر مخلوقات أحادية الخلية -كما تعلمنا- حتى غدا هؤلاء الـ (أحاديون) جماعات وكتلا وأحزابا، وكل حزب بما لديهم فرحون، وكيف لايفرحون؟! وقد نالوا على خطى المقبور برايمر ما لم ينالوه من المقبور صدام، وبذا أصبح لدينا تحت اليد شماعة رقم 1 وشماعة رقم 2، وكذلك مقبور رقم 1 ومقبور رقم 2. ومن اللافت للنظر وللاستهجان أيضا، أنهم متمسكون ومتشبثون بكل ماأوتوا من قوة، بمن يلعنونه ويلعنون سياسته، فنراهم يزيدون في لعن الإثنين معا، وفي نفس الآن يزدادون في تطبيق سنتهما التي سناها.

اليوم وقد مضى على ذهاب عهد الإثنين اثنتا عشرة سنة، من المعيب والمخجل أن يرمي ساستنا باللائمة عليهما في المنزلق الذي انزلق فيه البلد، ويعلقون على شماعتهما إخفاقاتهم وفشلهم وتقصيرهم في أداء واجباتهم كما ينبغي، فهم لايتوانون في ذكر أحدهما أو كليهما في كل مقام ومقال يتناول سوء إدارتهم وصنيعهم في مفاصل البلد برمته، ظانين أن في كل مرة تسلم الجرة، او هم يتبعون سياسة؛ اكذب اكذب اكذب… حتى يصدقك الناس. فما إن يفتح حديث أو نقاش على وسيلة إعلام مرئية أو مسموعة أو مقروءة، مع سياسي له في الساحة السياسية تأثير، او مسؤول تقع على عاتقه واجبات تنفيذية، إلا وأحضر على طاولة النقاش سلبيات صدام وسوء إدارة برايمر، فيبرر بهما تداعيات وزارته او مؤسسته، ويغطي ماخفي من قباحة في الصورة الحقيقية لها، مدعيا أنه تراكمات السابقين يدفع ثمنها اللاحقون. وقد أدرك ساستنا بعد سنين الخديعة والزيف، أن المواطن العراقي لم يعد ينطلي عليه ما يلبسونه من أقنعة، فبدأوا يختزلون ذكر صدام ويحصرونه في برايمر، بذريعة أن نظام الدولة البرلماني الفدرالي التعددي جاء به الأخير، ولايمكن أن يتغير إلا بدستور، مع العلم أن أغلبهم يلوم الدستور ويعلق عليه هو الآخر أخطاءه، بحجة أن الدستور كان قد ولد على عجالة..!. فلطالما اتخذوه أحجية ومتكأ يلقون فيه رحلهم، من عناء التصنع والتكلف أمام المواطن، والمواطن طبعا لاحول له ولا قوة إلا التحمل والتجمل والتحلي بالصبر، فمادام قد صبر ثلاثة عقود على المقبور الأول، وسنة على المقبور الثاني، فهو حتما قادر على الصبر أمام المقبورين الجدد.

إن الحال على مابدا ومايبدو في طريقه الى ماهو أسوأ بكثير مما كان في عهد المقبورين، وإذا كان اللوم بالأمس البعيد على صدام، وبالأمس القريب على برايمر، فاللوم -كل اللوم- اليوم على سياسيين في سدة الحكم ممن يدعون حب العراق، ويتشدقون بوجوب التضحية من أجله، والوقوف سدا منيعا أمام أي خطر يواجهه من الداخل او من الخارج. وهم في حقيقتهم يضمرون غير ما يدعون به علانية، والأدلة على هذا لها أول وليس لها آخر.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات